El mar, el atardecer y otras historias: selecciones de cuentos de Yukio Mishima
البحر والغروب وقصص أخرى: مختارات قصصية ليوكيو ميشيما
Géneros
لقد انتقمت الدنيا في طرفة عين من الراهب العظيم بقوة مرعبة. إن من كان يظن أنه آمن تماما قد انهار وصار أطلالا.
عاد إلى صومعته وواجه تمثال بوذا الرئيس، وحاول التضرع بأسمائه المقدسة. لكن أعاقته أفكار خيالية وهمية تقف بظلالها الغامضة أمامه. كان يحاول إقناع نفسه أن ذلك الجمال هو هيئة مؤقتة، ظاهرة لحظية للجسد الفاني بلا شك، ولكن تلك القوة اللحظية التي خطفت قلب الراهب العظيم بذلك الجمال الذي لا يمكن التعبير عنه، جعلته يعتقد أنها قوة ما رهيبة ونادرة وأبدية. ومن جهة أخرى لم يكن الراهب العظيم شابا بأي معنى من المعاني، لكي يقنع نفسه أن هذا الانبهار هو مجرد خدعة قد لعبها عليه الجسد؛ فالجسد لا يمكن أن يتغير في لحظة واحدة بهذا الشكل. إذن فالأمر المنطقي هو الاعتقاد أنه سقي سما غريبا بسرعة رهيبة، سما غير طبيعة الروح في هذه اللحظة الخاطفة.
لم يقترف الراهب العظيم إثم اقتراب النساء قط، وكان صراعه في شبابه مع ذلك، جعله على العكس لا يرى في المرأة إلا وجودا جسديا فقط. كان الجسد النقي الحقيقي، هو الجسد الموجود في خياله فقط. نتيجة لذلك اعتمد الراهب العظيم على قوته الروحية من أجل أن يخضع الجسد الذي ليس إلا وجودا فكريا مجردا. في هذا الجهد حقق الراهب نجاحا، ولا يوجد شخص واحد ممن يعرفون أفعاله حتى الآن يشك في ذلك النجاح.
ولكن وجه المرأة الذي بدا من نافذة العربة ناظرا تجاه البحيرة كان ذا وجود في غاية التناغم والتألق المشع، ولم يكن الراهب يعرف ماذا يمكن أن يسميه. لم يكن أمامه إلا الاعتقاد أن شيئا ما ظل مختفيا بداخله لفترة طويلة خادعا إياه، قد ظهر له لكي يحقق تلك اللحظة النادرة ويجليها، ولم يكن هذا الشيء إلا هذه الدنيا ولا غير، تلك التي كانت ساكنة متوقفة فوق لوحة الورق قد قامت فجأة وبدأت في التحرك.
الأمر يشبه وكأنه، مثلا، يقف على طريق كبيرة في العاصمة تروح فيها العربات وتجيء، وقد غطى أذنيه الاثنتين بيديه، وفجأة يرفع يديه من على أذنيه؛ ففي التو والحال تختلط الأصوات وتمتزج، محدثة ضوضاء حوله.
لمس متغيرات هذه الدنيا وسماع أصواتها، يعني أنك قد دخلت في دائرة تلك الدنيا. الشخص الذي قطع علاقاته تماما بكل شيء وأي شيء، عاد وقد أصبح له علاقة مرة أخرى بأحد أشياء هذه الدنيا.
حتى عندما يقرأ الراهب العظيم في كتاب السوترا المقدس، كان في مرات عديدة يطلق تنهدات بائسة لا يقدر على كتمانها. كان يعتقد أن الطبيعة ربما تلهي قلبه، فكان يتأمل السحب في الجبال وقت الغروب، ولكن قلبه كان فقط يضطرب في حيرة واندفاع مثله مثل السحاب. وعندما يشاهد الهلال، كانت مشاعره مائلة بنفس اتجاه الهلال، وحتى عندما يتجه أمام تمثال بوذا الرئيس محاولا تنقية قلبه، يجد أن أوهامه قد صورت له وبدا وكأنه وجه المحظية. كان عالمه قد سجن داخل حدود دائرة صغيرة. كان الراهب العظيم يوجد في جانب من الدائرة، وكانت محظية الإمبراطور توجد في الجانب الآخر.
3
سرعان ما نسيت محظية الإمبراطور أمر الراهب العجوز الذي ظل يحدق في وجهها بتركيز على ضفاف البحيرة في شيغا. ولكن بعد مرور وقت قصير، وصلت شائعة إلى أذنيها وعندها تذكرت ذلك الأمر. أحد أبناء القرية الذي رأى منظر وقوف الراهب العظيم يودع بنظره عربة المحظية حتى اختفت عن الأنظار، ذكر ذلك الأمر لأحد رجال البلاط الإمبراطوري الذي جاء إلى شيغا لمشاهدة أزهار الكرز، وأضاف أنه منذ ذلك اليوم والراهب مضطرب، وكأنه قد جن.
بالطبع تظاهرت محظية الإمبراطور بعدم تصديق تلك الشائعة؛ ولكن لأن راهب معبد شيغا العظيم مشهور للغاية بأخلاقه الرفيعة وفضائله الكثيرة. فإذا كانت الشائعة حقيقية؛ فسوف يكون في تلك الحادثة ما يسهم في تغذية غرور المحظية؛ لأنها كانت قد سئمت تماما من المحبة التي تتلقاها من رجال هذا العالم العاديين.
Página desconocida