Selecciones de cuentos cortos
مختارات من القصص القصيرة
Géneros
رد شريكه باقتضاب: «المعتوه هو أنت يا أوجستس.»
رد أوجستس مقترحا: «حسنا، فلتذهب إليه يا عزيزي وتتحدث إليه بنفسك.»
قال الشريك في إصرار: «ذلك تحديدا ما أنوي فعله.»
في المساء التالي لحديثهما، وقف السيد لونجكورد مستقبلا شريكه بينما يصعد السلالم بعد حديث طويل أجراه مع الغريب وحدهما في غرفة الطعام، وقال له: «كيف سار الأمر؟»
رد إزيدور محتدا: «أرجوك، لا تسألني، إنه رجل أحمق سخيف، ذلك كل ما في الأمر.» «ماذا قال لك؟» «لن تتصور ما قاله لي، لقد أخذ يتحدث عن اليهود، عن مدى طيبتهم، وعما يتعرضون له من سوء تقدير من الناس، إلى آخر هذا الهراء!
لقد أضاف أن بعضا من أكثر من قابلهم احتراما على مدى حياته كانوا يهودا. وقد كان يظنني واحدا منهم!» «حسنا، وهل توصلت إلى أي اتفاق معه؟» «اتفاق! بالطبع لا. لا يسعني تشويه صورة اليهود كلهم مقابل بضع مئات من الجنيهات. تبدو صفقة خاسرة.»
شيئا فشيئا توصل قاطنو النزل إلى أن هناك الكثير من الأفعال التي لا تستحق كل هذا العناء الذي يتكبدونه من أجلها؛ أفعال مثل التصارع على طبق المرق، والتسابق لحيازة طبق الخضراوات أولا، وغرف المرء أكثر من نصيبه المستحق، والتحايل بغرض الاستيلاء على الكرسي المريح، والجلوس على صحيفة المساء ثم التظاهر بعدم رؤيتها، إلى آخر تلك التصرفات الطفولية التافهة. إذ أدركوا أن ما يتحصلون عليه من مكاسب ضئيلة من تلك السخافات لا يوازي الجهد المبذول في سبيلها. وهكذا توقفوا أيضا عن الأفعال السوقية على غرار التذمر الدائم من الطعام، والشكوى المتواصلة من معظم الأشياء، وذم صاحبة النزل في غيابها أو ذم رفاق السكن على سبيل التغيير، والتشاحن فيما بينهم دون سبب وجيه، وتهكم بعضهم على بعض، وإذاعة الفضائح بعضهم عن بعض، وإطلاق الدعابات السخيفة بعضهم على بعض، والتباهي بإنجازات لا يصدقها أحد. تلك سفاهات ربما ينخرط فيها مستأجرو الأنزال الأخرى، لكن سكان هذا النزل كان لديهم من الشرف ما يحول بينهم وبين تلك الأفعال.
في الحقيقة أصبح سكان النزل يحسنون الظن بأنفسهم، وهم يدينون بذلك إلى الغريب وحده. فقد قدم الغريب إلى منزلهم ولديه تصور مسبق - الله وحده يعلم من أين جاء به - مفاده أن قاطنيه الذين بدوا أنهم من عموم الناس الخشني الطباع السيئي الخلق، هم في الواقع سادة وسيدات من أرقى الناس وأنبلهم، والظاهر أن الوقت الذي قضاه بينهم وملاحظته لهم لم يسهما إلا في تأكيد ذلك التصور اللامعقول. ومن ثم كانت النتيجة الطبيعية أنهم بدءوا في التحول بما يتوافق مع رأي الغريب فيهم.
كان الغريب يصر على أن السيدة بنيتشيري سيدة نبيلة بحكم الميلاد والنشأة أجبرتها ظروف خارجة عن إرادتها على الانضمام إلى صفوف الطبقة الوسطى في عمل كادح شريف؛ حيث تضطلع بدور الأم الرءوم التي لا تستحق من عائلتها الكبيرة سوى كل شكر وعرفان؛ وهو رأي تشبثت به السيدة بنيتشيري نفسها الآن عن اقتناع لا يتزحزح. بالطبع لا يخلو دورها الجديد من بعض المتاعب، لكنها بدت مستعدة لتحملها عن طيب خاطر. فسيدة نبيلة مثلها لا يليق بها أن تحصل من ضيوفها الكرام على ثمن فحم وشمع لم يستخدموه قط، والأم الرءوم لا يمكن أن تطعم أولادها لحما متوسط الجودة مدعية أنه من أفضل أنواع اللحوم. تلك حيل قد تلجأ إليها صاحبة نزل عادية كي تدس الأرباح في جيبها. لكن سيدة على خلق وتهذيب مثلها لا يمكن لها أبدا ارتكاب أفعال كهذه؛ أو بعبارة أخرى شعرت السيدة بنيتشيري أنها لم تعد قادرة على ارتكاب تلك الأمور.
أما الآنسة كايت ففي عين الغريب كانت محاورة ذكية ومثيرة للإعجاب وذات شخصية شديدة الجاذبية. بيد أنها كانت تعاني من عيب واحد؛ ألا وهو قلة الاعتداد بالذات. فهي لم تكن تعي طبيعة جمالها الرقيق النقي. ولو أتيحت لها - فحسب - فرصة رؤية نفسها بعين الغريب لتخلت فورا عن ذلك التواضع الذي يدفعها إلى التشكك في حسنها الطبيعي. بدا الغريب على يقين شديد من رأيه، حتى إن الآنسة كايت عقدت العزم يوما ما على وضع ذلك الرأي موضع التجربة. فقد دلفت في إحدى الأمسيات قبل العشاء بساعة إلى غرفة المعيشة، وكان الغريب جالسا هناك وحده ولم تكن مصابيح الغاز قد أضيئت بعد، وعندما رفع عينيه وجد أمامه سيدة لطيفة، حسنة المظهر، ذات بشرة شاحبة قليلا وشعر بني مصفف بعناية، تسأله إن كان يعرفها. كانت تسري في جسد الآنسة كايت رعشة وبدا صوتها مرتجفا يوشك في أي لحظة على التحول إلى نحيب. لكنه انقلب إلى ضحكة عندما نظر الغريب مباشرة إلى عينيها وأخبرها أنه لما يلاحظ من تشابه بينها وبين الآنسة كايت، فلا بد أنها أختها الأصغر منها سنا، والأجمل منها بكثير، وهكذا كانت تلك هي الأمسية التي اختفت فيها الآنسة كايت ذات الشعر الذهبي إلى الأبد، ولم يلمح وجهها المغطى بمساحيق التجميل مجددا قط في النزل، والأعجب ربما من هذا والذي كان سيدهش أيا من قاطني النزل فيما سبق، أنه لم يسأل أي منهم، ولو عرضا، عما حل بها.
Página desconocida