Selecciones de Cuentos Ingleses
مختارات من القصص الإنجليزي
Géneros
أما الساعة الزوالية التي كانت فيما خلا تبين الوقت للإمبراطور شارل الخامس نفسه فقد راعها منظر القزم الصغير، حتى لقد ذهلت فنسيت أن تشير إلى انقضاء دقيقتين كاملتين بأصبعها الظلي الطويل، ولم يسعها إلا أن تقول للطاووس الذي يضحي في بهو الأعمدة: إن كل واحد يعلم أن أبناء الملوك ملوك، وأن أبناء الفحامين فحامون، ومن السخف أن يدعي أحد أن هذا ليس كذلك.
وهو قول وافق عليه الطاووس أتم موافقة، بل لقد صاح «صحيح! صحيح!» بصوت عال جاف أزعج الأسماك الذهبية الصغيرة التي تسبح في حوض النافورة فأخرجت رءوسها من الماء وسألت تماثيل أرباب البحر عن الخبر.
ولكن العصافير أحبته لسبب ما، وكانت قد رأته من قبل مرارا في الغابة، يرقص كالعفريت وراء الأوراق التي تعبث بها الرياح وتثور، أو منطويا على نفسه في فجوة في شجرة قديمة، والطير تأكل الجوز من يده. ولم تكن العصافير تبالي قبح خلقته أو تعبأ بذلك شيئا، ومع ذلك ماذا من الجمال في البلبل الذي يغرد في الليل في أحراش البرتقال فيصغي له القمر ويهبط قليلا ليسمعه؟ ثم إن هذا القزم كان يحنو على العصافير ويرق قلبه لها، فكان في الشتاء القارس، الذي يغدو فيه ظهر الأرض صلبا كالحديد، ويتعرى الشجر فلا يبقى عليه من الحب أو الثمر ما يلقط، وتزحف الذئاب إلى قريب من أبواب المدينة التماسا للقوت، لا ينسى العصافير ولا مرة واحدة، فكان يبقي لها فتاتا من خبزه الأسود، ويجعل لها نصيبا من كل طعام يصيبه.
لهذا راحت العصافير تطير حوله في حديقة القصر، وتلمس خده بأجنحتها، وتزقزق فيما بينها، وبلغ من سرور القزم بها أن لم يسعه إلا أن يريها الزهرة البيضاء الجميلة، وأن يخبرها أن الأميرة نفسها جادت بها عليه لأنها تحبه.
ولم تفهم العصافير مما يقول ولا كلمة واحدة؛ ولكن هذا لم تكن له قيمة، فقد أدنت رءوسها، بعضها من بعض، وبدت كأنها فاهمة مدركة، وهو ما يعادل الفهم، ويفضله بأنه أسهل.
كذلك أحبته السحالي، فلما تعب من الجري والنط، وقعد على بساط الروض ليستريح راحت تلعب حوله وعلى بدنه، وتحاول أن تسره وتسليه جهد طاقتها. وكانت تقول فيما بينها: «ليس في الإمكان أن يكون كل أحد جميلا كالسحلية، فإن هذا مرام بعيد ومطلب عسير، ثم إنه ليس بالدميم جدا، وإن كان هذا القول يبدو غريبا، على شرط أن يغمض الواحد عينيه ولا ينظر إليه.» والسحالي مطبوعة على الفلسفة، وكثيرا ما تقضي ساعات وساعات في تفكير عميق إذا لم يكن ثم شيء تصنعه غير ذلك، أو إذا كان الجو مطيرا لا يسمح بالخروج من الشقوق.
وقد ساء الأزهار جدا مسلك السحالي والعصافير، فقال بعضها لبعض: «هذا يرينا أن هذا الجري والطيران المستمرين يفسدان النفس، ويجعلانها سوقية مبتذلة، والمهذبون من الناس يبقون حيث هم، ولا يبرحون مكانهم - مثلنا - وما رآنا قط أحد ننط في ميادين البستان، أو نعدو كالمجانين وراء الذباب. وإذا احتجنا إلى تغيير الجو بعثنا في طلب البستاني فينقلنا إلى أحواض أخرى. وهذا هو الوقار والاحتشام الواجبان، ولكن الطيور والسحالي لا تدرك معنى السكون والرصانة، بل إن العصافير ليس لها عنوان ثابت! وهي أبدا شاردة كالغجر، وينبغي أن تعامل كما يعامل الغجر.» وصعرت الأزهار خدها، كبرا وشموخا، وسرت جدا لما رأت القزم ينهض عن الخضرة ويمضي إلى الشرفة فالقصر، وقالت لنفسها: «إنه حقيق بأن يبقى أبدا وراء الأبواب. انظروا إلى ظهره الأحدب وإلى ساقيه المعوجتين!»
وراحت تتهاتف.
ولكن القزم لم يدر شيئا من هذا كله، وكان يحب العصافير والسحالي حبا جما، ويرى أن الأزهار أجمل وأعجب ما في الدنيا كلها، ما عدا الأميرة، ولكن الأميرة أعطته الوردة البيضاء الجميلة، وهي تحبه، فأمرها مختلف جدا. ولشد ما يتمنى لو أنه رافقها في أوبتها إلى القصر، إذن لجعلته عن يمينها وابتسمت له، فلا يفارقها أبدا، ويكون ملاعبها ويعلمها كل ضروب اللعب. ولا نكران أنه لم يعش من قبل في قصر، غير أنه يعرف أشياء كثيرة تروق وتدهش، ففي مقدوره مثلا أن يصنع أقفاصا صغيرة من الحصير للصراصير تغني فيها، ومن القصب ذي العقل الطويلة يراعة
9
Página desconocida