3
على عذارى الطريق يتناوله من شاء ويطرحه في حيثما أراد!
رسالة الفن! كلمة كبيرة سواء أجرت على معنى استحداث الأحداث فيه، أم على معنى إيتائه بجليل مطالبه، أم تجليته في أبرع صورة وأروعها، ليس مدلولها الجد على أي معنى من هذه المعاني وجهته، بالذي في يد المتناول ولا بالذي على طرف الثمام
4
كما يقولون، إنما هو شيء شامس
5
عصي لا يذل ولا يسلس إلا لمن آثره الله تعالى بالمواهب العظام!
هنا يخيل إلى القارئ الجاد الذي لا يعرف أن الألفاظ قد تعبث وأن الصيغ قد تعربد أن مصر قد استوى لها في هذا العصر آلاف من العبقريين الذين اصطفتهم الفنون لأداء رسالتها فأدوها على خير الوجوه، وما للقارئ الجاد، أو على الصحيح القارئ الذي يقدر الجد في جمهرة الكاتبين، لا يرى على هذا أن مصر كما تخرج الحب وتجود بالقطن، أصبحت كذلك تخرج، ولكن عفوا بلا بذر ولا سقي ولا تعهد، آلاف العبقريين الذين يحملون إلى العالم رسالات الفنون؟ وكيف لا يرى هذا وهو لا يبسط بين يديه صحيفة إلا زحم نظره أسماء الحشد الحاشد من هؤلاء الموهوبين الذين يشتعبون أقطار البلاد حاملين بريد الفنون إلى أصحاب الفنون؛ على أنك لو اطلعت على كثير من هذه الصحف المنزلة على أولئك الرسل؛ بل لو قد اطلعت على أكثرها الكثير لما شككت في أن الألفاظ قد انحرفت عن معانيها بقدر كبير، حتى إننا لو اطردنا في إجالة مثل هذه الصيغ سنصبح بعد قليل من الزمن في أشد الحاجة إلى نقض معجماتنا اللغوية لنقيم من جديد كل لفظ بإزاء معناه الطريف، وإلا اضطربت الأفهام، واختل ميزان الكلام.
لقد قلت في بعض هذا المقال إن العلة في هذا لا تعدو في الغاية إرخاص الأدب، ولقد تعلم أن هذا الأدب قد تيسر انتحاله لمن شاء، وحسب المرء في تقلده أن يتكثر في المقال بطائفة من تلك الألفاظ والصيغ الطريفة الدائرة، وما دام هذا سبيل المرء إلى ادعاء الأدب وانتحاله، فلا شك على هذا القياس في أن الترقي إلى مقام العبقرية وحمل رسالة الأدب يغني فيه أن يطبع كلاما منثورا أو منظوما يذهب به إلى أي غرض أو لا يذهب به إلى غرض ألبتة، وله بعد هذا أن يضفي عليه ما شاء من النعوت والألقاب، وأن يستحيل في طرفة عين من حملة رسالات الفنون والآداب!
فاللهم إذا كان هذا هكذا، وهو كذلك مع الأسف العظيم، فويل للآداب وويل للفنون في هذه البلاد.
Página desconocida