ضعفت ملكة العربية، وشاعت التركية على الألسن، بل على بعض الأقلام، واستأثرت بجميع الأسباب الديوانية، ودار الشعر في أضيق الأغراض من المديح والرثاء والغزل المتكلف المصنوع، ونحو هذا مما لا غناء فيه لمطالب العقل القوي، ولا لحاجات النفس الكريمة، وقد هزلت المعاني، وتزايلت التراكيب، وقلت العناية باصطفاء اللفظ الشريف.
وما برح شأن الأدب على هذا حتى كان الفتح الفرنسي في مؤخرات القرن الثامن عشر، وتنظرت بعض أسباب الحضارة الغربية لخاصة المصريين، ثم أقبلت النهضات في عهد محمد علي دراكا في العلوم والصناعات، وخاصة من هذه ومن هذه ما كان بسبب من المطالب العسكرية.
الأدب في عهد محمد علي
سيداتي، سادتي
لسائل أن يعترضني بهذا السؤال: لقد زعمت أن الأدب عرض يلحق حال كل أمة في عقليتها وأسباب حضارتها، فما بال الأدب ظل على شأنه طوال عهد محمد علي إلى صدر كبير من عهد إسماعيل، مع أن البلاد قد تحولت حالها بما أصابت من الفن وما حصلت من العلم الحديث؟
وإنني لأجيب سائلي بأن عقليات الأمم لا تتحول بمثل هذه السرعة، إلى أن المتعلمين من بني مصر يومئذ كانوا في شغل دائم بالوسائل المادية التي كان يريد القائم أن يخط بها ملكه، إلى أن التركية كانت ما تزال شائعة على الألسن، منتضحة على الأقلام، إلى أن مثل هذا العرض، أعني به الأدب، لا يواتي معروضه من الساعة الأولى، بل لا بد من مر الزمن حتى يثبت الطابع الحديث للعقلية العامة في موضعه.
على أنني أزعم، بعد ذلك، أن الأدب في هذه الفترة إذا لم يكن دارج الحضارة الحديثة، فقد لمحها وأصاب منها في بعض الحين.
الأدب في عهد إسماعيل
سيداتي، سادتي
أدركت مصر في عصر إسماعيل حظا محمودا من الحضارة، فشاعت فيها العلوم، واستوثق الاتصال بينها وبين بلاد الغرب التي كثر روادها من المصريين، وانحدر العديد الأكبر من الغربيين إلى هذه البلاد سياحا ومستوطنين، كما نزحت إليها طائفة من أعيان الأدباء والكتاب السوريين.
Página desconocida