200

على أن العامة في مصر بوجه خاص، قد تبسطوا بعد ذلك في هذا الباب حتى دعوا كل مهنة فنا، وحتى أصبحوا يكنون أصحاب «الكيوف» بأولاد الفن، ولعل الوجه في هذه النكتة أن ما كان يتناوله الصناع إلى الجيل الماضي من «فنون» المخدرات، كان يعينهم ولو إلى حين، على طول الصبر في سبيل التأنق والتجويد والإتقان!

وكيفما كانت الحال، فإن اللغة في اطرادها وتوسعها لم تكن تأبى إدراج هذه الحرف في جريدة «الفنون»، لأنها وإن لم تقعد لها القواعد وتعقد لها القضايا في الكتب، إلا أن أصحابها قد تغنوا عن ذلك بطول العلاج والتمرين، وما كشفت لهم التجارب على طول السنين.

وقد جرد المتأدبون المصريون من أبناء هذه الجيل كلمة «الفنون» للفنون الجميلة خاصة، فجعلوها بذلك ترجمة لكلمة

Beaex Arts

في لغة الفرنسيين، وعلى ذلك أصبحت كلمة «الفنان»، أستغفر الله بل «المفتن» أو «المتفنن» ترجمة لكلمة

Artiste ، ويعنون بها صاحب الفن الجميل.

ولا يذهب عنك في الغاية، أن وصف بعض الفنون «بالجميل» لا ينافي، بل إنه ليقتضي أن هناك فنونا أخر، وإن كان لا يوصف شيء منها «بالجميل» وكذلك بقي اصطلاح الجمهرة على المراد من «الفن» قائما في الجملة، وإن كان بعض المتأدبين اليوم يأبى إلا أن يقصرها كما أسلفنا على «الفن» الجميل.

استمداد الفنون وتطورها

وبعد إذ فرغنا من تاريخ هذه الكلمة من أول منجمها في متواضع العرب الأولين، وتصرفها في وجوه المعاني حتى مصيرها اليوم، بعد هذا يحسن بنا أن نلم إلمامة يسيرة بنشأة الفنون وتطورها واضطرابها بين مختلف الأوضاع والأشكال.

لا شك في أن منشأ الفنون على وجه عام إنما هو الغريزة، فالحاجة هي التي تدفع الإنسان إلى أن يبتكر الفن ابتكارا، أو أن ينقله نقلا ويقلد فيه تقليدا، سواء أكان ذلك عن الحيوان أم عن الطبيعة نفسها، بحيث يكون هذا النقل والتقليد على الوجه الذي يوائمه ويواتي أسبابه.

Página desconocida