يا عجبا للشمس تشمر للغروب والرجوع، ساعة يؤذن مشرقها بالبزوغ والطلوع!
ويا رحمتاه للروض إذا ذبلت في مطلع الربيع أزهاره، وجفت قبل النضج ثماره، وسكن من الشجر اصطفافه، وتساقطت أوراقه، وسكن النسيم، وكان العهد به أن يتنسم، وسكت العندليب، وكان الظن به أن يشدو ويتنغم!
أهكذا يكون نقض العهود، وخلف الوعود، أهكذا تشح السماء بعد طول ما منت بالبروق والرعود؟!
فأين هذا الشباب وهو حق لا حلم من الأحلام، ولا وهم من الأوهام؟ وليت شعري كيف ذوى، ومتى انطوى، وما زلت في انتظار وفوده، وترقب وروده، طوعا لمطرد وعوده؟
نترقب شبابا فإذا هو هرم، وجدة فإذا هي قدم، وصحة فإذا هي سقم، ووجودا فإذا هو عدم! تالله إن علمت قط أن التبر يحور ترابا، وأن الماء يستحيل سرابا! •••
هذا الدهر ما زال يعدنا ويمنينا الأماني، وكلما تنجزنا في السعادة وعدا أنظرنا إلى غد، فإذا صرنا إلى هذا الغد قال: أليس موعدكم الغد؟ ونحن نتابعه كمن يتابع ظله؛ فلا هو بلاحقه ولا هو عن لحاقه ببعيد، وكذلك تنقضي الأيام بعد الأيام، وتنطوي الأعوام بعد الأعوام، ثم لا يروعنا إلا أن نتفقد هذا «الغد» الذي طالما انتظرناه، فإذا هو قد مضى في «الأمس» الذي استدبرناه! فهذا الشباب الذي يتحدثون عنه لا قيام له إلا في التصور والتخييل، لأنه إما شيء تجيء به الأيام، أو شيء قد خلت به الأيام، أما أن له سرحة يتفيأ الإنسان في ظلالها، وفسحة يطمئن بين غداها وآصالها،
13
بحيث يستشعر الثبات والاستقرار، فذلك ما لا يكون في منهج الأعمار!
نعم، لقد يصيب الإنسان كثيرا أو قليلا مما يدعى بسعادات الحياة، ولكن هيهات أن يصفو له شيء منها إلا كدرا، فإن الزمان أحرص من أن يصفي العيش لإنسان، وإنه في هذه السبيل ليسلط عليه ولو من وساوس نفسه ما يصرفه عن متاع الحياة وهو في متناول يده، ورهن مراده، فإذا أعوزه هذا وسوس له بالتأميل فيما هو أجل مما تيسر له من النعيم وأعظم، فشغله عن حاضره بقابله، وصرفه عن عاجله بآجله، وهكذا تتصرم الأعمار، في الارتقاب والانتظار!
آمنت يا دنيا أنك سارقة ماكرة فاجرة، تمكرين بالناس وتخدعينهم على أعمارهم حتى تنشليها منهم نشلا، ولا والله ما يعينك على فجورك هذا إلا غفلة الناس! •••
Página desconocida