47 - وكان في حارتنا شاب قد قدم من العراق، ذكي الروح هادئ السعي، يذكر أنه قرابة لابن يعفر القائم كان باليمن، وكان بمصر في دون قومه، فأشار عليه من شاهد ابن يعفر وسعة أمره، بالخروج إليه، فأخذت له حجة من بعض أهلنا، وأضفت إليها برا يفي بتحمله، وخرج. فلقي بمكة عجوزا يمانية جليلة القدر فيهم، فعرفها موضعه، فقالت: ((أنا أتكفل بمؤونتك وتحملك، وأغتنم هذه اليد عند الأمير))، وحملته حتى صارت به إلى عشيرتها، فقالت لهم : ((إن ابن يعفر قتل منا في العام الماضي رجلا، ومعي قرابة له فاقتلوه به))، واجتمع الحي، وتسلمه أولياء القتيل، فلما جرد السيف اضطرب وبكى، فقال أولياء القتيل: ما نرضى أن نقتل هذا بصاحبنا، صاحبنا شجاع وهذا جبان!)).
فبعثوا به إلى ابن يعفر، وقالوا لرسولهم إليه: ((إنا لا نرضى أن نقتاد من هذا))، فلما وافى ابن يعفر، دعاء له بالسيف والنطع ليقتله، وقال: ((هتكتني في #76# هذا الحي من العرب!))، فقال له وزيره: ((إن هذا الفتى خرج من فاقة وأمن إلى موقف تضرب فيه عنقه فاضطرب، وإنما يقتل الأمير من قاد الجيوش، وتطعم بحلاوة الأمر والنهي فيه، وتمكن من الرئاسة ثم عدل به طبعه إلى الخور، والذي أراه للأمير، أن يعقد له الرئاسة على جماعته، وينفذه إلى مهماته، فإن أكثر الفضائل إنما تظهر بحسن الارتياض)).
ففعل الملك ما أشار به عليه وزيره، فحدثني أبو عبد الله محمد بن عامر اليماني: أنه درج بهذا التدبير فظهر من شجاعته ما لم ير في آل يعفر مثله، ثم غزا الحي الذي كانت تلك العجوز منهم، فقتل أولادا كانوا لها، وأقفر به ذلك الحي)).
Página 75