23 - وكانت تنتاب عجائزنا عجوز جميلة المذهب ، ضعيفة الحال -تعرف بأم محمد-، فيجتمعن على كل صالحة، وكنت أخصها بكفايتها. فلما دخل محمد بن سليمان مصر، نزل في ظاهرها، واستدعى الواحد بعد الواحد من أسباب الطولونية، فاستصفى ماله بالسوط وعظيم الإخافة، فراعني أمره، وخفت أن يلحقني عسفه.
فإني لجالس في يوم من الأيام وأنا خائف، حتى دخلت جارية أم محمد العجوز، فسلمت علي، فظننتها والله تقتضي بعض ما عودتها، فقالت: ((سيدتي أم محمد تقرأ عليك السلام وتقول: ((جاءني الساعة رسول ابن عمي وسيدي أبي علي محمد بن سليمان يسأل عني فعرفته أني كنت في كفايتك))، والرسول على الباب يريغ الوصول إليك))، فقلت: ((يدخل)).
فدخل شاب حسن الصورة يعرف بناشي، فقال: ((جزاك الله خيرا! فقد وصفتك ابنة عم سيدي بما أرجو أن يحسن أثره عليك)). ودعا بأصحاب الأرباع، فتقدم إليهم بأن يمنعوا من تعرضني، فعرضت عليه برا فقال: ((وأي بر أكثر مما أتيته إلينا؟!))، وانصرف عنا.
فرجع إلي ناشي هذا برقعة بخط ابن سليمان: ((سر إلينا لننظر في أمرك، ونبلغ فيه محبتك، فإني أرعى لك متقدم حرمتك، ووكيد أسبابك، إن شاء الله)). وما لحقني منه شيء أكرهه حتى انصرف عن البلد.
Página 42