مقالة الغالطين في تأويل متشابه كتاب الله عز وجل، المحرفين لكلامه، المتعلقين بالحديث عن رسول الله _صلى الله عليه وسلم_، وهؤلاء مع ما هم فيه من التشبيه فإنهم حائدون عن التسمية بالجسم بزعمهم، وهذا الصنف من المشبهة على أنهم يستنكفون عن عبادة التجسيم، فإن قلوبهم مع ذلك طاغية إلى التصريح بغاية التشبيه، وأهواؤهم مائلة إلى التبريح بنهايته، وحتى إن عوامهم يبوحون بأفحش التشبيه وأقبحه أحيانا، وإن محدثيهم ليفصحون به أوقاتا، ومتى تورع أحد من علمائهم في شيء من مذاهبهم، أو نوظروا كادت المناظرة تضطرهم إلى ما ذكرت لك من ذلك، وتلجئهم إليه، إلا أن يشم أحد من علمائهم برائحة علم الكلام فيقتصر دون غاية ما ينتهي إليه عوامهم، وهذا الصف هم الذين يسمون الحشوية (¬1) ، وأصحاب الحديث، وكل هذه الفرق مع اختلافهم فإنهم مجمعون على أن الله يرى يوم القيامة بالأبصار، وأنه حال على العرش، تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا، وهذه الفصول التي ذكرناها تتضمن جميع مذاهب المشبهة وأقاويلهم المختلفة على كثرتها في معبودهم إن شاء الله، ونحن ذاكرون ما احتجوا به من كتاب الله عز وجل، وما تعلقوا به من حديث رسول الله _صلى الله عليه وسلم_، ثم نتبع ذلك بالرد عليهم في باطلهم، وما أساءوا فيه الثناء على ربهم، والنظر لأنفسهم، ونذكر جميع ما غلطوا فيه من تأويل الآي التي انتحلوها من كتاب الله عز وجل، وأحاديث رسول الله _صلى الله عليه وسلم_، حتى نأتي على ذلك الأول فالأول، ولا قوة إلا بالله.
¬__________
(¬1) الحشوية: فرقة عقائدية من فرق المعتزلة، سموا كذلك نسبة إلى الحشو، ويقصد به أسافل الناس، كما يقصد به الزائد من الكلام أي اللغو، ذلك أن الحشوية أو أهل الحشو أخذوا بظواهر القرآن دون تبصر حتى وقعوا في الاعتقاد بالتجسيم. راجع القاموس الإسلامي 2: 102.
Página 113