وأما تلاميذ القديس مارون الذين ذكرهم توادوريطوس، فهم يعقوب الناسك ووصفه توادوريطوس بالكبير وليميناوس ويوحنا الذي انفرد في الجبل بشمالي قورش خمسا وعشرين سنة، وبردات ويسميه السريان برهدد، ومن تلميذاته مارانا وكور الحلبيتان، ودومنينا التي ذكر توادوريطوس أنها اقتدت بالقديس مارون في نسكها.
الفصل الحادي عشر
في تاريخ سورية الدنيوي في القرن السادس
(1) في ما كان بسوريا أيام الملك يوستينوس
خلف يوستينوس إنسطاس الملك سنة 518، ومن أعماله طرده ساويروس من بطريركية أنطاكية وإخسنيا من أسقفية منبج، وبعنايته أدخل في شملاية القداس ذكر المجامع الأربعة المسكونية النيقوي والقسطنطيني والإفسسي والخلكيدوني سنة 519، وفي أيامه خربت أنطاكية بالزلازل والحريق، وقد خربت هذه المدينة بالزلازل مرات أخصها سنة 115 ونحو سنة 459، وهذا الزلزال كان سنة 526، فأقلب أكثر أبنيتها وطمر تحت أنقاضها كثيرين من بنيها، ومنهم إفراسيوس بطريركها، ووقع حريق في كنيسة القديس إسطفانس وانتشر في وقت وجيز في محال كثيرة وأتلف كثيرا من البيوت.
ولما كانت النار مشتعلة في أكثر مواقد المدينة لإعداد طعام الغداء أحاثها الزلزال فشبت في البيوت، ومد الهواء لهيبها فالتهمت بيوتا أخرى، واجتمعت البليتان الزلزال من أسفل والنار من أعلى، واستمر هذا الزلزال على شدته ستة أيام وخربت به دفنة والسويدية أيضا، وبالغ يوستينوس في ما أنفقه لتدارك هذه النازلة. (2) في ما كان بسورية في أيام يوستنيانس الملك
خلف يوستنيانس يوستينوس عمه سنة 527 وكان ملكا عادلا ورعا حليما، وأنشأ كثيرا من الكنائس والأديار وجدد دير القديس مارون على العاصي الذي كان الملك إنسطاس قد نقضه ، وقتل رهبانه، ومن أشهر أعماله وأهمها جمعه كتب الشريعة والقوانين التي كان الملوك قد سنوها قبله مختارا لذلك رجالا فقهاء، منهم اثنان من علماء مدرسة بيروت، وأهم الأحداث في أيامه حملة كسرى ملك الفرس على سورية سنة 540، فحاصر الرصافة على عدوة الفرات وسرجيوبلي، ثم اجتاز في جانب منبج ولم يحاصرها؛ لأنها كانت حصينة وبلغ إلى حلب فغرم أهلها بما شاء من المال، وأرسل يطلب من أهل أنطاكية ألف ليرة ذهبا؛ ليعفو عنها، وأحب الأهالي دفع المبلغ ولم يشأه أعوان الملك، فخيم على عدوة العاصي وأمر فريقا من جيشه بضرب المدينة من جهة النهر، وسار بفريق آخر إلى أعلى المدينة فافتتحها وغصت الشوارع بالفارين منهم، ووثبت عصبة من الشبان على عساكر كسرى فظهرت عليهم، فأرسل الملك نجدة لجيوشه المتقهقرين فقتلوا أولئك الشبان الأبطال، وانتهب الجنود كل ما وجدوا في المدينة وأمر كسرى بحرقها، ثم صالح يوستنيانوس على أن يدفع له تلك السنة خمسة آلاف ليرة ذهبا، وفي كل سنة بعدها خمسمائة ليرة، ثم زار كسرى بعض مدن سورية أي: السويدية ولم يمسها بضرر ثم دفنه وأباميا (قلعة المضيق) وطلب من أهلها عشرة آلاف ليرة فضة، وأخذ من قنسرين مائتي ليرة ذهبا وافتدى أهل الرها الأسرى الذين كان قد أسرهم من أنطاكية.
ومما كان في أيامه أيضا ثورة السامريين، فإن الملك يوستنيانوس أصدر منشورا أمر به الوثنيين، وأولي البدع أن يرعووا عن ضلالهم ويدينوا بالدين المسيحي الصحيح، فامتثل كثيرون أمره، على أن السامريين جاهروا بالعصاة وسموا رجلا اسمه يوليانس ملكا، وكان عددهم نحوا من خمسة آلاف رجل، ووثبوا على باسان وأحرقوا كنائسها واستحوذوا على نابلس وقتلوا أسقفها وكهنتها وكثيرين من أهلها، فجمع توادوريطوس أمير الجيش في فلسطين وجنوده، وزحف بهم إلى نابلس فظفر بيوليانس وشتت شمله، وقطع رأسه وأرسله إلى الملك مع تاجه وأهلك من السامريين خلقا كثيرا، وفر الباقون إلى الجبال فتتبع أعوان الملك آثارهم فقتلوا منهم كثيرين وأمر يوستنيانس أن لا يبني السامريون فيما بعد مجامع، وأن يحظر عليهم نيل شيء من المناصب.
وكان في أيام هذا الملك أيضا زلزال خربت به بيروت وأطرابلس وصور وصيدا وصرفند وجبيل وطرطوس وغيرها سنة 553، ثم كان زلزال آخر سنة 556 خربت به مدن أخرى بسورية، وسقط في البترون من الرأس المعروف بوجه الحجر قسم كبير في البحر تكون منه مرفأ ترسي به السفن، وتواترت بعد ذلك الزلازل في سورية، وذكر أغاثيا في تاريخه (ك2 عدد 15) خراب بيروت في هذه الزلازل، فقال: «وبيروت تلك المدينة الجميلة قد شوه الزلزال جمالها، وسقطت فيها تلك الأبنية الباذخة البديعة الصناعة، وهلك فيها كثيرون من سكانها والغرباء المتقاطرين إليها، وجم غفير من الشبان الشرفاء والفقهاء الذين يؤمونها لتعلم شرائع الرومانيين، وانتقل معلمو الشريعة إلى صيدا لقربها منها ريثما يتجدد بناء بيروت، لكنها لم تعد إلى ما كانت عليه من قبل بل إلى ما يشبهه.» (3) في ما كان بسورية في أيام يوستينوس الثاني
لم يكن ليوستنيانس ابن فخلفه يوستينوس الثاني ابن أخته سنة 565، والذي نعلمه من أعماله اهتمامه بتوطيد السلم في الكنيسة، واستدعاؤه الأساقفة المنفيين من منفاهم، وإصداره منشورا إلى جميع المسيحيين يحضهم به على الاتحاد بالكنيسة الكاثوليكية، ويصرح بمعتقده القويم ومخالفته للمبدعين، ثم عقده عهدة تجارية مع خان التتر في جملة موادها الاتجار بالحرير الذي كان حينئذ قليلا في المملكة الرومانية، فاستاء كسرى ملك الفرس، وأرسل يطالبه بما كان يوستنيانوس قد تعهد بدفعه في كل سنة، فأنكر ذلك عليه يوستينوس، فاجتاز ملك الفرس الفرات بمائة ألف من الجنود وفرق جنوده في الأعمال التي على عدوة الفرات حتى بلغوا أنطاكية، ولكنهم توهموا أن أسوارها حصينة وأهلها أشداء، فانصرفوا عنها إلى أباميا (قلعة المضيق) ففتحوها وأحرقوها، وأسروا كثيرين من أهليها، وعاد كسرى يحاصر دارا قصبة الرومانيين في ما بين النهرين فافتتحها، وساءت هذه الأخبار الملك يوستينوس حتى اعتراه نوع من البله، فقبضت صوفيا الملكة على أزمة سياسة المملكة وشرت من كسرى الهدنة سنة واحدة بخمسة وأربعين ألف دينار ذهبا، وجعلت الملك يختار معاونا فاختار طيبار، فأطال مدة الهدنة إلى ثلاث سنين بالغ فيها بلم شعث المملكة والاستعداد للحرب التي انتصر بها على الفرس، وشتت شمل كسرى وغنم خزائنه حتى اضطر كسرى أن يذل ليوستينوس طالبا الصلح، واعتزل يوستينوس الملك وسلم أزمته إلى طيبار سنة 578، ولم نعثر على أخبار أحداث بسورية في أيامه، بل نعلم أنه حارب الفرس في أيام هرمدزا بن كسرى المذكور، وشتت شمله موريق قائد جيش طيبار، ولما كان طيبار مريضا سمى موريق قيصر، وخطب له ابنته سنة 582 ولما شعر بدنو المنون تنزل له عن الملك في تلك السنة، ولم نعثر في أيام موريق أيضا على أخبار أحداث كانت في أيامه ... وكانت لموريق أيضا حروب مع الفرس، وثار جنوده عليه وفي مقدمتهم فوقا فتنكر موريق وألقى نفسه في سفينة مع امرأته وأولاده، ولما علم الشعب فرار موريق أقروا لفوقا بالملك فقتل موريق وأسرته سنة 602. (4) في من نعرفهم من المشاهير الدنيويين بسورية في هذا القرن
Página desconocida