أما زبينا فثار عليه ثلاثة من عماله، واستحوذوا على اللاذقية فحاربهم وأخضعهم وعفا عنهم، ولرغبته في توطيد دعائم ملكه عقد معاهدة مناصرة مع يوحنا هركان أمير اليهود، فرسخ هذا ولايته على أمته، واستحوذ على نيديا وغيرها في شرقي الأردن، وقهر السامريين والأدوميين، وأرسل رسلا إلى رومة يجدد عهد الموالاة بينه وبينهم، فرحب بهم رجال الندوة، ولما كان أنطيوكس السابع قد انتزع من اليهود يافا وغزة وغيرهما حتمت الندوة أن ترد هذه المدن إلى اليهود، وحذروا ملوك سورية من أن يسيروا جنودهم في أرض اليهود.
وكان بتلمايس فيسكون ملك مصر يعتد نفسه ولي نعمة زبينا، فطالبه أن يكون منقادا لأمره، فأبى وعزم فيسكون أن يحطه كما رفعه واتفق مع فلوبطرة قبل موتها، وجهز جيشا عظيما وسيره إلى كريبوس ابنها وزوجه بنته تريفان، فاشتد ساعده وظهر على زبينا، ففر إلى أنطاكية وأراد أن ينتهب هيكل المشتري فيها ليقوم بنفقات الحرب، فثار عليه الأهلون وطردوه من مدينتهم، ثم قبض عليه وقتل سنة 123ق.م. (21) في أنطيوكس كريبوس وأنطيوكس الشيزيكي
قد استراح أنطيوكس كريبوس من مزاحميه في الملك، زبينا، وأمه فلوبطرة التي شربت السم، واستتب له الملك من سنة 120 إلى سنة 114ق.م، وثار عليه أخوه أنطيوكس التاسع المعروف بالشيزيكي نسبة إلى بلدة في آسيا تولى فيها وهو ابن فلوبطرة أيضا من أنطيوكس السابع وكريبوس ابنها من ديمتريوس الثاني، وخشي كريبوس أن ينازعه الملك، فأراد أن يدس له سما وشعر الشيزيكي بذلك، فجمع جيشا لأخذ الملك من أخيه، وتزوج بفلوبطرة التي كان لاتير بن فيسكون ملك مصر قد طلقها، وبدلا من المهر أتته برجال من مصر، فحارب أخاه كريبوس وانتصر كريبوس عليه، وأخذ فلوبطرة أسيرة وفتح أنطاكية، وألحت عليه امرأته تريفان بنت فيسكون ملك مصر أن يقتل فلوبطرة، فلجئت إلى معبد في أنطاكية، وأرسلت تريفان شرذمة من الجند فقتلوا فلوبطرة في الهيكل، ثم جمع الشيزيكي زوجها جيشا آخر وحارب كريبوس أخاه، فظفر به وقبض على تريفان، وأذاقها مر العذاب جزاء لقسوتها على فلوبطرة التي كانت أختها، وفر كريبوس تاركا سورية لأخيه الظافر (يوستينوس ك39 فصل 3 وبلين ك2 ف27).
وفي سنة 111ق.م عاد كريبوس إلى سورية بجيش عظيم، وظهر على أخيه الشيزيكي، ثم اتفقا وقسما مملكة سورية بينهما؛ فكان نصيب الشيزيكي فونيقي وسورية المجوفة إلى دمشق وأقام بها، ونصيب كريبوس باقي المملكة وأقام بأنطاكية، وعزم يوحنا هركان أن يلحق السامرة بولايته وأرسل ابنيه أرسطوبولس وأنتيكون فحاصراها سنة 110ق.م، فاستنجد السامريون بالشيزيكي ملك دمشق، فنجدهم بجيش تولى إمرته بنفسه، فاستظهر عليه الأخوان وانهزم، وعاد ابنا هركان لحصار السامرة سنة 109، فكتب الشيزيكي إلى بتلمايس لاتير ملك مصر، فأرسل إليه ستة آلاف جندي ضمهم ملك دمشق إلى جنده، وأخذ يخرب ويقطع الطريق على أبناء السبيل، ولم يجسر أن يناوي اليهود على السامرة فأخذوها سنة 108ق.م، ودكوها ولم يجدد بناؤها إلا في أيام هيرودس، وأصبح هركان مالكا اليهودية والجليل والسامرة ومدنا أخرى في جوارها، واستفحل أمره وعظمت صولته، لكنه توفي سنة 107ق.م وخلفه ابنه أرسطوبولس وضايق إخوته وأمه ثم ندم على ذلك، وكان شديد أسفه علة لمرض أودى به فلم يتولى إلا سنة واحدة، وخلفه أخوه يوحنا المسمى إسكندر أيضا، فحارب أهل عكا وغزة؛ لأنهم لم يخضعوا لحكومة اليهود، فلجأ أهل عكا إلى بتلمايس لاتير التي كانت أمه فلوبطرة أبعدته عن مصر وأقطعته قبرس، فهب لنجدتهم لكنهم تغيروا عليه فحل بعسكره بحيفا وراسل إسكندر أمه فأتت لنجدته ضد ابنها لاتير؛ لأنها خافت أن يملك ابنها فلسطين، ويتيسر له أن يعود إلى مصر ... ولما عرف ابنها لاتير بقدومها إلى سورية تركها، واعتزل في غزة ثم عاد إلى قبرس، وهي افتتحت عكا وجددت عهدة الموالاة لإسكندر ملك اليهود، ورجعت إلى مصر سنة 101ق.م.
وعلمت بعد عودها إلى مصر أن ابنها لاتير محالف لأنطيوكس الشيزيكي ملك دمشق، وأنه يتأهب ليسترد مملكة مصر، فزوجت أنطيوكس كريبوس بابنتها سيلانة التي كانت قد أبعدتها عن لاتير وأرسلت إليه جيشا ومالا؛ ليقوى على مقاومة أخيه الشيزيكي، فانتشبت الحرب بين الأخوين، واستمرت هذه الحرب بينهما إلى أن اغتال أحد الخونة أنطيوكس كريبوس ملك أنطاكية سنة 97ق.م، وخلفه سلوقس أكبر أبنائه، فحاول عمه أنطيوكس الشيزيكي أن ينتزع المملكة منه، فجيش وخرج عمه عليه، فاشتد القتال وظفر سلوقس بعمه وشتت جمعه، وأخذه أسيرا وقتله سنة 95ق.م، واستتب له الملك بسورية كلها (طيطوس ليف ك70 وإسترابون ك11 ويوسيفوس ك13 ف21). (22) في سلوقس السادس وأنطيوكس العاشر إلى آخر ملوكهم
قد أحرز سلوقس السادس الملك على سورية كلها بعد مقتل عمه الشيزيكي، لكنه لم يستمر عليه؛ لأن ابن عمه فر من أنطاكية عند دخول سلوقس، وأتى إلى أرواد وسمى نفسه ملكا باسم أنطيوكس وهو العاشر بهذا الاسم ويعرف بأوساب، وزحف بجيش جرار إلى سلوقس، واستظهر عليه فانهزم إلى المصيصة بقيليقية وأثقل سكانها بطلب الذخائر والتجند معه، فتألبوا عليه وأحاطوا بالدار التي كان بها، وألقوا عليها النار فاحترق مع كل من كان معه، فجمع أخواه أنطيوكس وفيلبوس رجالا وغشيا المصيصة سنة 92ق.م ففتحاها وأخرباها، فزحف إليهما أنطيوكس أوساب وانتشبت الحرب بينهما عند العاصي فاستظهر عليهما، وغرق أنطيوكس بالعاصي، وكان سمي ملكا فهو الحادي عشر بهذا الاسم، وأما أخوه فيلبوس فنجا وعاد إلى منازعة أوساب الملك، وتزوج أوساب بسيلانة أرملة أنطيوكس كريبوس ليعزز ملكه، وكانت هذه الملكة قد استبقت لنفسها بعض أعمال من المملكة، وكان لها جنود ذوو بأس فتعزز جانب أوساب، على أن بتلمايس لاتير، التي كانت سيلانة امرأته، لم يصبر على هذه الإهانة له، فدعا ديمتريوس رابع أبناء كريبوس وسماه ملكا على دمشق، بينما كان أوساب وفيلبوس بن كريبوس متشاغلين بالحرب، فخلا الجو لديمتريوس في دمشق، ثم ظهر فيلبوس على أوساب وهزمه فلجأ إلى متريدان الثاني ملك البرتيين، وغدا ملك سورية مشطرا بين ديمتريوس في دمشق وفيلبوس بأنطاكية، وهما أخوان ابنا أنطيوكس كريبوس.
أما أوساب فأمده البرتيون بجيش وعاد سنة 89ق.م، فاستحوذ على بعض الأعمال التي كانت له أولا، وكانت له حروب مع فيلبوس، ثم إن أنطيوكس دانيس خامس أبناء كريبوس زحف إلى أخيه ديمتريوس بجيش، فاستولى على دمشق وسمى نفسه ملك سورية المجوفة، وهو الثاني عشر باسم أنطيوكس واستمر على ذلك إلى سنة 86ق.م.
وضاق ذرع السوريين وعيل صبرهم عن اعتساف ملوكهم وحروبهم المتصلة، فصمموا على اختيار ملك أجنبي، وانتخبوا تغران ملك أرمينية وأرسلوا إليه وفدا فلبى دعوتهم، فملك بسورية سنة 83ق.م، واستمر ملكه ثماني عشرة سنة، وطرد تغران أوساب فانهزم إلى قيليقية، وقضى ما بقي من عمره خامل الذكر، وفيلبوس الظاهر أنه قتل في إحدى مواقع الحرب، وسيلانة امرأة أوساب تمكنت من أن تبقي لنفسها عكا، وبعض مدن فونيقي وسورية المجوفة، وكان لها ابنان أنطيوكس وسلوقس، وطمعت بأن تأخذ لنفسها تاج مصر، فأرسلت ولديها سنة 73ق.م إلى رومة، حيث أقاما سنين يزينان للندوة تمليك أمهما أو أحدهما في مصر فخاب مسعاهما؛ لخشية الرومانيين ضم سورية ومصر إلى مملكة واحدة، فيتعسر عليهم الاستيلاء عليهما.
وأقام الرومانيون الحرب على تغران ملك أرمينية، فاستعاد جنوده من سورية لحاجته إليهم فاستوى أنطيوكس بن سيلانة المذكور على عرش سورية سنة 69ق.م، وهو الثالث عشر بهذا الاسم، واستمر يدبر سورية أربع سنين أو خمسا، وانتصر لوكولس قائد جيش الرومانيين على تغران ملك أرمينية، وأخذ أهم مدنه، ثم أكمل بومبايس القائد الروماني الظفر به، وأرغمه أن يدفع غرامة حرب جسيمة وأن يوقع على عهدة سنة 64ق.م يتخلى بها للرومانيين عن سورية والكبادوك وأرمينية، ثم أتى بومبايوس إلى سورية، فالتقاه أنطيوكس الثالث عشر آملا أن يقره على ملك سورية، فأبى بومبايوس إلا أن يلتهم ملكه ويجعله إقليما رومانيا محتجا بأن تغران تخلى له عنه، فانقرضت بأنطيوكس المذكور ولاية خلفاء إسكندر على سورية ... وقد رأيت مما كان للملوك والملكات الأخيرين خاصة من الفظائع التي تنفر منها الضواري كقتل الأم ابنها والابن أمه، وأرسل بومبايوس قائديه سكادورس وكابينيوس، فأخضع الأول سورية المجوفة ودمشق والثاني باقي سورية إلى دجلة، وأتى بومبايوس إلى دمشق ينظم أحوال مصر واليهودية (أبيان في السوريين ويوستينوس ك40 فصل 1 ويلوطرح في ترجمة بومبايوس). (23) في تتمة أحبار ملوك اليهود إلى أخذ الرومانيين سورية
ذكرنا قبلا هؤلاء الملوك في مساق كلامنا على ملوك سورية، وفرغنا في عدد 63 من الكلام بذكر الملك إسكندر ونجدة فلوبطرة ملكة مصر له، وروى يوسيفوس (في ك13 من تاريخ اليهود فصل 21): أن الشعب مقت الملك إسكندر، ولما دخل الهيكل في عيد المظال أخذوا يرشقونه بثمار الليمون على رأسه ويقذفونه بالشتائم، فخرج عليهم بحرسه فقتل منهم ستة آلاف رجل، وأخذ لنفسه حرسا من الأجانب سنة 95، ولما أخمد ثورة اليهود أقبل على محاربة الأجانب، فانتصر على جنود ملك العرب وذلل الموآبيين وغيرهم، وافترض الجزية عليهم وكمن له أعداؤه في مضيق وزحمة قطار من الإبل فلم ينج إلا بشق النفس، وقتل كثيرون من رجاله وجرأ مصابه العرب والموآبيين على محاربته فحاربوه ست سنين، وقتل من الفريقين نحو خمسين ألفا، وفتح مدينة كان العصاة تحصنوا بها، وقبض على ثمانمائة رجل أتى بهم إلى أورشليم فقتلهم سنة 86ق.م، ولدن تشاغل ملوك سورية بالحرب بعضهم مع البعض افتتح مدنا أخرى، وعاد إلى أورشليم وعكف على الملاذ ومعاقرة الخمرة، فأصيب بحمى الربع ولم ينكف عن الحرب، وبينما كان محاصرا مدينة في شرقي الأردن اشتد مرضه، وأشار على الملكة إسكندرة أن تتزلف إلى الفريسيين بعد موته لتحفظ الملك لأبنائها، ومات سنة 79 وأوصى بالملك لامرأته إسكندرة ما حييت، وأن يخلفها بعد وفاتها من تختار من ابنيه هركان وأرسطوبرلس.
Página desconocida