وفي سنة 1802 اتفق العمادية مع الأمير سلمان سيد أحمد شهاب أن يولوه البلاد مع الأمير عباس، وحضر الأمير سلمان إلى الجزار، فوعده بالولاية وكتب إلى الأمير حسن علي أن يعاون العمادية على طرد الأمير بشير، وبلغ هذا ما نووا فقام إلى عين صوفر ومعه الشيخ بشير جنبلاط والكدية وجرجس باز فدان له أهل الجرد، واستسلم إليه الأمراء اللمعيون وأعيان المتن والتلاحقة، ففر العمادية إلى رأس بيروت، وكتب محازبو الأمير بشير إلى الجزار أنهم لا يقبلون واليا عليهم إلا الأمير بشير، وعاد هو إلى دير القمر واهتم بعض أصحابه أن يسترضوا الجزار عنه، وكتبوا له أن يرسل من يعتمد عليه إلى الجزار، فأرسل الشيخ يوسف الدحداح ومعه عريضة أجابه الجزار عليها جوابا لطيفا، فأرسل الأمير التقادم وأرسل الجزار إليه خلعة الولاية على البلاد، مستثنيا منها إقليم جزين وبرجا.
وفي سنة 1804 توفي الجزار آفة هذه البلاد، وبعد موته أخرج الشيخ طاها الكردي إسماعيل باشا من السجن، ونادى باسمه بناء على أن الجزار بايعه بالولاية بعده، وكتب الشيخ طاها إلى الأمير بشير أن يرسل التقادم، فيرسل له الباشا خلع الولاية ويطلق له ولده الأمير قاسما والأمير سليم يوسف اللذين كانا مرهونين عند الجزار، فأرسل الأمير التقادم وأرسل إليه الباشا خلعة الولاية، ولم يرسل الأميرين المرهونين، ثم ورد فرمان من السلطان سليم الثالث إلى الأمير بشير فحواه أنه نصب إبراهيم باشا مكان الجزار، وأن يكون مطيعا له متفقا معه، ولما وصل الباشا إلى دمشق أرسل الأمير إليه جرجس باز بمائة فارس، فأمر إبراهيم باشا أن تلتقيه قواد العساكر والأعيان، وأكرمه الباشا وأجرى له النفقات وكان يستشيره في مهامه، وورد فرمان آخر إلى الأمير بأن يعاون إبراهيم باشا على طرد إسماعيل باشا، ولما أتى إبراهيم باشا من دمشق التقاه الأمير إلى جسر صيدا بنحو ستة آلاف مقاتل، واعتذر له عن مقابلته؛ لأنه بعد خروجه من سجن الجزار أقسم أن لا يقابل وزيرا، فقبل الوزير عذره وأرسل إليه خلع الولاية، وعاد الأمير وبقي جرجس باز ورجاله مع إبراهيم باشا، فقتل إسماعيل باشا وسمت الدولة سليمان باشا والي صيدا قبلا مكانه.
وسنة 1807 كان مقتل الشيخ جرجس باز في دير القمر، وقتل أخيه عبد الأحد في جبيل، فالشيخ جرجس كان وصيا على أولاد الأمير يوسف وأقامهم على ولاية بلاد جبيل، وكانوا لا يأتون أمرا دون علمه وهو يفعل ما شاء دون إذنهم، وقام جرجس بدير القمر عند الأمير بشير، وأخوه عبد الأحد بجبيل وعظم قدرهما، ولم تكن لهما حرمة للأمير بشير، بل كانا يفعلان أمورا تسوءه فيضمر لهما السوء، واتفق مع أخيه الأمير حسن على قتلهما، واتفق حينئذ أن الأمير بشير كان مغضبا على المشايخ آل تلحوق وآل عبد الملك، فاستدعى الأمير حسن الشيخ علي تلحوق وكاشفه بالأمر، فوافقه عليه، وحضر مع البعض من المشايخ اليزبكية، وأظهروا أنهم متوجهون إلى الأمراء أولاد الأمير يوسف؛ ليلتمسوا منهم كتابا للأمير بشير ليرضى عنهم، وسار الأمير حسن معهم إلى جبيل وهجم المشايخ اليزبكية على الشيخ عبد الأحد باز، فأطلق الرصاص على أحدهم فقتله، وأحاطت الجماعة به فألقى نفسه من شباك، فأدركه من كانوا أسفل فقتلوه، وتوجه الأمير حسن توا إلى القلعة، وقبض على أولاد الأمير يوسف. وفي ذلك النهار نفسه استدعى الأمير بشير جرجس باز، ولما دخل عليه خرج الأمير وأمر بعض أعوانه من الدروز، فدخلوا وخنقوه وركب الأمير قاصدا جبيل، وأمر بتوجيه أولاد الأمير يوسف؛ ليقطنوا بدرعون وأن تسمل أعينهم، فنفذ الأمر، وكان ذلك في 5 أو 15 أيار سنة 1807. (2) في ما كان بسورية في أيام السلطان مصطفى الرابع والسلطان محمود الثاني إلى سنة 1821
إن السلطان سليم الثالث خلع بسبب ثورة الإنكشارية عليه؛ لأنه أراد إدخال النظام الجديد سنة 1807، ونادى الثائرون بالسلطان مصطفى خان الرابع، ولما انتصر له مصطفى باشا البيرقدار وأراد إرجاعه إلى عرشه أمر السلطان مصطفى بقتله، وإلقاء جثته إلى الثائرين فازدادوا هياجا ونادوا بخلع السلطان مصطفى وحجروا عليه، وكان آخر العهد به سنة 1808 وأجلسوا على العرش السلطان محمود خان الثاني. ومما كان في هذه المدة بسورية وفاة الأمير حسن أخي الأمير بشير بغزير سنة 1808. وفي سنة 1809 أرسل سليمان باشا والي صيدا خلعة الولاية إلى الأمير بشير كالعادة بأن تتجدد هذه الخلع كل سنة في شهر مارت، وفي السنة المذكورة جدد الأمير بشير بناء جسر نهر الكلب. وفي سنة 1810 حمل بعض الوهابيين (هم أتباع رجل يسمى عبد الوهاب ابتدع بدعة حرم بها الالتجاء إلى نبي أو رسول، وانبث هذا الضلال في العربية) على حوران، وهددوا دمشق فاستنجد واليها سليمان باشا والي صيدا، وهذا استمد الأمير بشير فجمع خمسة عشر ألف مقاتل، وسار بهم إلى جهة طبريا حيث كان سليمان باشا، ثم ورد الخبر أن العرب رجعوا من حوران وورد حينئذ فرمان إلى سليمان باشا أن يتولى دمشق بدلا من يوسف باشا الكنج، فاستشار الأمير بقبوله، وحقق له أنه يرد الفرمان إن لم يساعده فأجابه: لبيك. وكتب الأمير إلى بعض أصحابه ولاة حماة وأطرابلس وغيرهما، فلبوا دعوته وساروا جميعا إلى دمشق فخرج عليهم يوسف باشا بعساكره، وانتشبت الحرب وكان النصر لعساكر سليمان باشا والأمير بشير، وانهزم يوسف باشا ودخل سليمان باشا المدينة يصحبه الأمير بشير ورجاله، وفوض الباشا إلى الأمير أن ينتخب العمال فأرسل مصطفى أغا بربر إلى أطرابلس، والأمير إسماعيل إلى حمص وحماة وحسين أغا سركجي إلى اللاذقية، والأمير جهجاه الحرفوش إلى بعلبك، وأنعم سليمان باشا على الأمير قاسم ابن الأمير بولاية بلاد جبيل، وعلى أخيه الأمير خليل بولاية البقاع.
وفي سنة 1812 شرع الأمير بشير في جر ماء نبع الصفا إلى بتدين. وفي سنة 1814 بنى بأمر سليمان باشا جسرا على نهر الدامور، وأنفق عليه مائة ألف قرش دفعها له الوزير. وفي سنة 1819 توفي سليمان باشا، وأنعمت الدولة بمنصبه على عبد الله باشا، وكان نائبا لسليمان باشا بعكا، وكتب إلى الأمير بشير يبشره فأجابه الأمير مهنئا ومرسلا التقادم، فوجه الوزير إليه خلع الولاية.
وفي سنة 1820 طلب الوزير مبلغا لم يتيسر للأمير دفعه للحال، ووجه المعلم بطرس كرامة يعتذر له، فحنق الوزير وأمر بتوجيه عسكر إلى حدود ولاية الأمير، وأمر متسلمي صيدا وبيروت أن يقبضا على من يجدانه من اللبنانيين، فقبض متسلم بيروت على مائة وثلاثين لبنانيا، ومتسلم صيدا على أربعين منهم ، فأرسل الأمير يعتذر للباشا ويستعطفه، فأمر أن يتعهد الأمير بألفي كيس يدفعها بعد مضي شهرين فتعهد بذلك، وأمر الوزير بإطلاق اللبنانيين، وأرسل إلى الأمير خلع الولاية وأرسل الأمير جباة لجمع المال فهاج أهل المتن، وأبوا دفع المطلوب وكاتبوا أهل كسروان أن يحذوا حذوهم فأجابوهم إلى ذلك.
واجتمع الفريقان بأنطلياس وأقسموا أن لا يدفعوا إلا بحسب العادة، وأتاهم الشيخ فضل الخازن فجعلوه شيخا للعامية المعروفة بعامية أنطلياس، وكتبوا إلى عبد الله باشا أن ظلم الأمير بشير إنما هو الذي أوجد الهياج في البلاد، فأجابهم أن لا يدفعوا إلا بحسب عادتهم، وأرسل الأمير يحذرهم وينذرهم، فلم يرعووا فكتب إلى الوزير: إني عجزت عن الولاية وتركت بلادي منتظرا أن يصفو خاطركم علي، فوجه الوزير بعض مشايخ الدروز وأصحبهم بسبعمائة مقاتل، وأرسل معهم خلعة الولاية إلى الأمير حسن علي والأمير سلمان سيد أحمد الشهابيين، فنهض الأمير بشير بأولاده وخدمه إلى حمانا، فأقسم له الأمراء اللمعيون أنهم لا يقبلون واليا غيره، ثم نهض إلى قب إلياس ثم إلى وادي التيم، وسار الأمير سليمان بالعسكر إلى وادي التيم مصحوبا بأمر من عبد الله باشا إلى أمراء حاصبيا وراشيا أن لا يقبلوا الأمير بشير، فنهض الأمير إلى حوران وضبط الأمير سلمان أملاك الأمير بشير وأصحابه، فكتب الأمير بشير إلى عبد الله باشا يستعطفه، فأجابه لو لم تترك الولاية لما وليت غيرك، فأسرع الآن إلى عكا، فأجابه الأمير أرجو أن تأذن لي بالإقامة ببلاد جبيل، وكنت أود أن أتشرف الآن برحابك، ولكن لم أتمكن من ترك أتباعي ولا من إحضارهم معي، فأذن له بالإقامة ببلاد جبيل، وطلبه أن يحضر إلى عكا بنفسه، وكان الأميران حسن وسلمان قد تعهدا لعبد الله باشا بدفع ألفين ومائتي كيس، ولما وصل الأمير بشير إلى شفا عمرو استأذن الوزير أن يحضر لديه، فأجابه أن حضوره إلى عكا وقتئذ يؤخر دفع ما تعهد به الأميران، وخيره بمكان إقامته فاختار جزين وحضر إليها فالتقاه الناس بالتجلة، وأرسل الأميران يجبيان المال الذي تعهدا به فطرد الجباة من المتن وكسروان وبلاد جبيل، وتقاطر مشايخ البلاد وأعيانه إلى الأمير بشير، فطلب الأميران من مشايخ العقل أن يتوسطوا للصلح بينهم وبين الأمير بشير، فتم الاتفاق أن الأميرين يتنزلان عن الولاية، وأن الأمير بشير يأخذها، فعهد الوزير إليه بها مدة حياته، فتليت الأوامر بها بكل احتفاء.
عامية لحفد
إن الأميرين حسن وسلمان رفعا عريضة إلى عبد الله باشا يبديان خوفهما من الأمير، فأمر بشنق رسولهما، ثم سار الأمير بشير إلى بلاد جبيل، وطلب الأمير سلمان أن يكون بخدمته فأبى، فكتب الأمير حسن إلى الأمير سلمان، واستغواه أن يمالئا الجبيليين الثائرين على الأمير بشير فانقاد لرأيه، وقام الأمير إلى غرفين إحدى قرى جبيل، وكان أهل تلك الجهة مجتمعين بشامات فبقي الأمير سائرا إلى لحفد، فاجتمع في حاقل أهل بلاد جبيل والبترون وبعض من كسروان، وأتى رجال جبة بشري إلى أهمج وجمهر المتاولة في رام مشمش، وأرسلوا يقولون للأمير: إنهم لا يدفعون إلا مالا واحدا وجزية واحدة، وكان الأميران حسن وسلمان يجسرانهم فأرسل يقول لهم: أرتضي بمال واحد وهم يجمعون المال ويوردونه له ... وقبل عود الرسول ظهر نحو ألفي رجل من جهة ميفوق، وظهر أمامهم من الجنوب جماعة من المتاولة، وأخذوا يطلقون الرصاص والأمير لا يسمح بالقتال إلى أن أصيب أحد رجاله، فثار بعض العسكر واقتحموا أولئك الرجال، وتبعهم الفرسان وأطبقوا عليهم وأعملوا فيهم السلاح، وقتلوا منهم نحو ثمانين رجلا فانهزموا شر هزيمة، وألقى بعضهم أنفسهم من شاهق إلى أسفل، وأسر منهم كثيرون، فعفا الأمير عنهم وقتل من عسكر الأمير تسعة رجال، وقام هو في اليوم التالي إلى عمشيت فتعرضوا له في غرفين، فأرسل إليهم عشرين فارسا يناوشونهم القتال، وانكسروا أمامهم ليلحقوهم فلم يجسروا أن يلحقوهم، فسار الأمير إلى عمشيت ثم جبيل.
وكان الأمير قد دعا الشيخ بشير جنبلاط والشيخ علي العماد وغيرهما ليلحقوه، فنهضوا ومعهم نحو ألفي رجل، فجمع الأمير حسن بعض الرجال، وكتب الأمير سلمان إلى أهل المتن وكسروان أن يوافوه إلى نهر الكلب، فشتت المشايخ من جمعهم الأمراء في الساحل وسبقوهم إلى نهر الكلب، فهزموا من التقاهم من كسروان، وفر الأميران حسن وسلمان إلى العاقورة وتنورين وحدت الجبة، فلم يجدا من يقوم معهما فسارا إلى بعلبك، ثم إلى الزبداني، وأخذ الأهلون يتقاطرون إلى الأمير بشير سائلين عفوه، وقام إلى جبة بشري واستماحه مشايخها العفو فعفا عنهم، وعاقب بعض المذنبين وغرم أهل الجبة بمائتين وخمسين ألف قرش، وأهل كسروان بمائتي ألف قرش وأهل القاطع بمائة ألف قرش، وأرسل لعبد الله باشا ما كان قد تعهد به، وكان ذلك سنة 1821. (3) في ما كان بين درويش باشا وعبد الله باشا والأمير بشير
Página desconocida