وفي سنة 1202 خرج الملك الظاهر صاحب حلب وحصر منبج وملكها، ثم ملك قلعة نجم وسار إلى المعرة وأقطع بلادها واستولى على كفر طاب وحاصر حماة، فجرح بسهم في رجله فصالح صاحبها الملك المنصور، ورحل إلى دمشق فنازلها وبها الملك المعظم ابن العادل، وعاونه أخوه الملك الأفضل وبعض الأمراء، واتفق الأفضل والظاهر أن تسلم دمشق بعد أخذها إلى الأفضل، ثم إذا أخذا مصر من الملك العادل ينتقل الأفضل إليها، ويترك دمشق للظاهر، وبلغ الملك العادل حصار الأخوين لدمشق، فخرج بالعساكر إلى نابلس ولم يجسر على قتالهما، ولكن تغير الظاهر وأراد أن تسلم إليه دمشق أولا، فتراخى الأفضل وتخلى الأمراء عن القتال لأجل الظاهر، وصالحوا العادل، فرحل الظاهر عن دمشق فقدم العادل إليها وملكها، وسار منها إلى حماة فدان له صاحبها الملك المنصور، وقصد العادل حصار حلب على ابن أخيه الظاهر، فراسله الظاهر وهاداه واصطلحا، وأخذت من الملك الظاهر قلعة نجم، وسلمت إلى الملك الأفضل مع سروج وسميساط، ورجع العادل إلى دمشق وأقام بها، وانبسطت سلطته على مصر وسورية وغيرهما، وخطب له على منابرهما وضربت السكة فيهما باسمه.
وفي سنة 1208 أرسل الخليفة الناصر الخلع للملك العادل، وسماه شاهنشاه ملك الملوك، واهتم العادل ببناء قلعة دمشق، وألزم كل واحد من الملوك أهل بيته أن يبني برجا من أبراجها، وفي سنة 1210 سار العادل من دمشق وعبر الفرات، وحاصر سنجار وطال الحصار، ونقض الملك الظاهر صاحب حلب الصلح الذي كان بينهما، وخامرت عساكر العادل عليه، فاستولى على نصيبين وعاد إلى دمشق، وفي سنة 1217 توفي الملك الظاهر صاحب حلب بن صلاح الدين، وأوصى أن يكون الملك بعده لولده الصغير الملك العزيز، ومن بعده لولده الكبير الملك الصالح ، ثم توفي الملك العادل سنة 1219 بفلسطين. (2) في ما كان من الحرب بين الملك العادل والإفرنج
في سنة 1202 كانت حملة الإفرنج الرابعة لاستنقاذ الأرض المقدسة، وكانت هذه الحملة بإمرة بودوين التاسع كنت فلاندرا وبونيفاشيوس مركيز فونتا فواتا بإيطاليا وهنري وندولر دوك البندقية، وانضوى بعض رجال هذه الحملة إلى أمير أنطاكية، فالتقاهم الملك المنصور صاحب حماة، وكتب الملك العادل إلى صاحب بعلبك، وصاحب حمص أن ينجداه، واتقع هؤلاء مع الإفرنج ببعرين وقعتين انكسر فيهما الإفرنج، وقتل منهم جماعة كثيرة وأسر بعضهم، وفي سنة 1204 كانت الهدنة بين الملك المنصور المذكور والإفرنج في شمالي سورية، ولكن خرج بعضهم بفلسطين، ونهبوا كثيرا من بلاد المسلمين بنواحي الأردن، فسار الملك العادل من دمشق وجمع العساكر، وحل بها على الطور بالقرب من عكا، وفي سنة 1205 كانت بين الفريقين هدنة وسلم العادل يافا والناصرة وغيرهما إلى الإفرنج، وأغار الإفرنج على حماة، وأسروا بعض المسلمين، ثم هادنوا الملك المنصور صاحب حماة.
وفي سنة 1207 رجع الملك العادل من مصر إلى سورية، فحاصر عكا فصالحه الإفرنج على إطلاق جماعة من الأسرى، وحاصر الإفرنج حمص، فسار الملك العادل من دمشق ونزل على بحيرة قدس، فانكفأ الإفرنج عن حمص وأتت العساكر من المشرق والجزيرة إلى العادل، فدخل بلاد طرابلس، وحاصر القليعات وأخذها صلحا ونهب وأحرق وسبى، وعاث في بلاد أطرابلس، وعاد إلى بحيرة قدس.
وفي سنة 1217 كانت حملة الإفرنج الخامسة، وكان أكبر رؤسائهم أندراوس ملك المجر وصحبهم عند مرورهم بقبرس لوسنيان ملكها، وكان أموري الثاني ملك أورشليم قد توفي سنة 1205، واختير للملك بأورشليم يوحنا دي بريان سنة 1209، فانضم إلى أصحاب الحملة الذين اجتمعوا بعكا، وكان الملك العادل بمصر فعاد إلى سورية، وبلغ إلى اللد، فقصده الفرنج سنة 1218، فسار إلى نابلس فسبقه الإفرنج إليها فنزل على بيسان فتقدم الإفرنج إليه، وكان عسكره قليلا، فرحل نحو دمشق ليجمع العساكر، فنهب الإفرنج بيسان وكل البلاد إلى بانياس، ورجعوا إلى مرج عكا، ثم جاء إلى صور وقصدوا بلد الشقيف ونهبوا صيدا، وعادوا إلى عكا وقصدوا قلعة الطور وحاصروها مدة، وعادوا إلى عكا، فأتى الملك المعظم ابن العادل، فدك القلعة إلى الأرض وبعدئذ توفي الملك العادل سنة 1219 كما مر.
وفي السنة المذكورة سار الإفرنج إلى دمياط، وحاصروها وملكوها بشق النفس وتوغلوا في مصر، لكنهم اضطروا إلى عقد صلح بينهم وبين الملك الكامل ابن الملك العادل، ومن شرائطه تخليهم عن دمياط فتخلوا عنها سنة 1222. (3) تخلي الملك الكامل عن القدس لفريدريك الثاني ملك ألمانيا
بعد أن استرد المسلمون دمياط من الإفرنج سار يوحنا دي بريان ملك أورشليم إلى المغرب مستصرخا مستنجدا، فعرض البابا أنوريوس الثالث على فريدريك الثاني عاهل ألمانيا أن يتزوج بابنة ملك أورشليم ووريثته، ويسمى ملك أورشليم، فقبل العاهل ما عرض البابا، وأخذ بإعداد حملة لإنقاذ الأرض المقدسة وتزوج بابنة ملك أورشليم برومة، لكنه أخذ يؤجل سفره إلى سورية من وقت إلى آخر، واتصل إلى مخاصمة البابا واستمال أشراف رومة إلى الثورة عليه، واضطر البابا أن يحرمه، وعرف في المشرق أن عاهل ألمانيا قادم إلى سورية فراسله الملك الكامل وحالفه، ووعده بأن يسلم إليه أورشليم متى أتى إلى سورية، فسر فريدريك بذلك وسافر إلى المشرق، ولما وصل إلى عكا وعرف البطريرك والإكليروس ورؤساء الفرسان أنه محروم من البابا، وأن ليس معه من الجند من يقوم بوجه أعدائهم ازدروه، وخرج العاهل من عكا، وأرسل إلى الملك الكامل يطالبه بوعده أن يسلم القدس إليه فتردد في الإجابة، وتواترت الرسائل بينهما إلى أن عقدا هدنة بينهما إلى عشر سنين من شرائطها: أن الملك الكامل يتخلى لعاهل ألمانيا عن المقدس وبيت لحم، وجميع القرى الواقعة بين يافا وأورشليم، ويبقى جامع عمر للمسلمين، وأن النصارى لا يجددون بناء أسوار أورشليم، وإذا اعتدى مسلم على مسلم، فيسمع دعواهما قاضي المذهب، وأن العاهل لا يعاون إفرنجيا ولا مسلما على أحد من المسلمين، بل عليه أن يمنع كل تعد على أرض الملك الكامل وأن يصد عساكره ومرؤسيه عن مثل ذلك، ولم تدخل إمرية أنطاكية وكنتية أطرابلس والكرك في هذه الهدنة، بل يلتزم العاهل أن يمتنع عن كل مساعدة لحكام هذه الأعمال، ووقع على المعاهدة في 20 شباط سنة 1229.
فلم يرتض النصارى ولا المسلمون من هذه المعاهدة، ولم يمكث العاهل بأورشليم بعدها سوى يومين، وكتب إلى البابا يبشره بأخذه أورشليم وإعادة ملك النصارى إليها، وكتب بطريرك أورشليم منشورا يشكو به من سوء تصرف العاهل، وبعد خروجه من أورشليم دخل المسلمون إليها، وبقيت القرى المجاورة للمدينة بيد المسلمين، ولم يكن التخلي عن القدس إلا لشخص العاهل ... وهو تعهد بأنه لا يحارب المسلمين، بل يمنع كل حرب تثار عليهم، ولما عاد العاهل إلى عكا ازدراه البطريرك والإكليروس ورؤساء الفرسان، فانتقم منهم بمنع الأقوات عن المدينة وإهانة الفرسان، وضرب بعض الرهبان وسار من عكا إلى قبرس، ودعا الملك ومدبري المملكة إلى مأدبة وقبض عليهم، وأخذ الملك أسيرا ليوطد ملكه للجزيرة بحجة أن ملكها خاضع لملك أورشليم، وبعد وصول العاهل إلى مملكته راسل البابا بالصلح.
وفي سنة 1230 حلف يمينا احتفالية بأنه يخضع للحبر الروماني، فحله من الحرم ورد عليه ما كان قد أخذه من مملكته. (4) بعض الأحداث بسورية إلى وفاة الملك الكامل
في سنة 1223 كان الملك المعظم ابن الملك العادل، وأخو الملك الكامل مالكا بدمشق، وقصد أن يأخذ حماة من الملك الناصر صاحبها، فكان بينهما قتال وارتحل المعظم إلى سلمية، فاستولى على حواصلها وولى عليها وفعل كذلك بالمعرة، فاتفق أخواه الملك الكامل والملك الأشرف على ردعه عن الناصر ملك حماة، فارتدع وبقيت سلمية والمعرة للملك الناصر، وفي سنة 1228 توفي الملك المعظم وولي دمشق بعده ابنه داود، ويلقب الملك الناصر، وفي سنة 1229 أرسل الملك الكامل يطلب من ابن أخيه الملك الناصر حصن الشوبك، فلم يجب إلى طلبه.
Página desconocida