Diálogos de Alfred North Whitehead

Mahmud Mahmud d. 1450 AH
62

Diálogos de Alfred North Whitehead

محاورات ألفرد نورث هوايتهد

Géneros

وكان آل هوايتهد بالانتظار في مكتبتهم بمسكنهم في راندور هول، وكانت خادمتهم قد استأجزت هذا اليوم، وكانوا يتضاحكون سرورا من استمتاعهم بخدمة أنفسهم. - «ونحن نؤدي هذه الخدمات بطريقة سيئة على وجه الجملة، وتجهدنا إجهادا تاما.»

وكان مستر هوايتهد يرتدي حلة المساء الرسمية، ذات السترة السوداء مدببة الذيل والياقة المنشية، وربما كان يقوم ببعض العمل الأكاديمي. وقدم الشاي، ودار الحديث حول موضوع التسامح.

فقال: «ليس هناك تسامح إلا إن كان هناك ما يدعو إلى التسامح، ومعنى هذا - من الناحية العملية - على الأرجح أن هناك من الأمور ما يعده أكثر الناس غير محتمل.» - «هل تعتقد أن روح الاضطهاد خاصة بالديانات، أو ببعض الديانات دون بعضها الآخر؟ فلم تكن الهلينية - مثلا - دين اضطهاد.»

فقال هوايتهد: «إن الدين يحمل نوعين من الناس يسيران في اتجاهين متضادين تماما. إنه يحمل الرفقاء ذوي القلوب الرقيقة نحو الرأفة والعدالة، وهو يحمل محبي الاضطهاد نحو القسوة الشيطانية وإيذاء الناس. ولو أن ذلك ربما يبرر في ظاهره ما نادى به القرن الثامن عشر - عصر التعقل - من دعوى أن الدين ليس إلا خدعة منظمة كبرى، ولعنة على الجنس البشري، إلا أنه أبعد ما يكون عن الحقيقة. إنه يحوي هذين الوجهين، ويستهوي وجه الشر منهما الأفراد المستعدين للكراهية الصميمة، بيد أن ما يحدث فعلا هو أنك عند إثارة الطبائع حتى أغوارها السحيقة بشأن المشكلات التي تحس أهميتها السحيقة، عندئذ تثير فيها الشر كما تثير فيها الخير، أو الطين والماء. وليس من المهم كثيرا - فيما يبدو - أي المذاهب تناشد؛ لأن الوجهين يظهران في جميع المذاهب.» - «إن بعض الديانات تزعم لنفسها نظاما محكما، نظاما يقوم للإجابة عن كل سؤال، فهل لذلك علاقة بالأمر؟» - «ألا يتضمن تعريفي السابق الرد على هذا إلى درجة كبيرة؟ ذلك أن الناس حينما تقوى مشاعرهم إزاء موضوع ما، يعتبرون أمثال هذه الأسئلة مما لا يقبل الجدل.» - «وهل الابتعاد المحايد عن مثل هذا الجدل (على فرض السماح به) يعد موقفا ذا أثر فعال؟» - «يتوقف ذلك على ما تعني بذي أثر فعال، إننا نتوقع من الأفراد، ذوي الأثر الفعال، أن يعملوا، والعمل يؤدي بك إلى النزاع.» - «إن ذلك يقودنا إلى موضوع العنف. أذكر أنك قلت في كتابك «مغامرات الأفكار» - وهو من الكتب القلائل التي استطعت أن أقرأها على ظهر السفينة - قلت إن المسوغ الوحيد لاستخدام القوة هو تخفيض مقدار القوة التي لا مناص من استخدامها.»

قال: «لو أن شابا يجعل من نفسه إنسانا مزعجا شيطانيا بصعوده السلم في هذا البناء وهبوطه منه وهو ثمل، فيقض بذلك مضجع اثنتي عشرة أسرة تقطن ما به من مساكن، لو أن شابا فعل ذلك لكتبنا رسالة بشأنه إلى الصحيفة اليومية أو استدعينا البوليس بالتليفون؛ والتصرف الأول شكوى لينة، وفي الثاني استخدام للقوة. ولو أصر على عمله لجأنا إلى إبعاده، وفي ذلك حد من تصرفه.» وابتسم ساخرا ومتشاغلا.

وانتقلنا إلى موضوع عدم المقاومة، وهل لا تظهر إلا كسلاح أخير لقوم عزل من كل سلاح سواه، فكان ظهورها في روسيا القيصرية، والهند البريطانية، وبين المنادين بالقضاء على الرق في أمريكا، ودعاة السلام إبان الحرب؟

وظنتني مسز هوايتهد بهذا أتحدى السياسة البريطانية الاستعمارية في الهند، فشرعت تسوغها حتى شرحت لها أننا إنما أثرنا الموضوع لأهمية السيكولوجية فحسب، وذكرت الفصل الوارد في كتاب «لم أجد سلاما» لصاحبه وب ملر، وما جاء فيه عن التكتل القائم بين المؤمنين بعدم المقاومة في الهند، ودلالة ذلك على أن عدم المقاومة يزيد - فيما يظهر - من وحشية المهاجمين. ولما لم يلق هذا الموضوع قبولا بوجه خاص (وهو أمر كان ينبغي لي أن ألم به من قبل) تخلينا عنه لنتحدث في غيره، وهو: كيف تتجه الموهبة في أشكال المجتمع المختلفة؟

فقال هوايتهد: «إن الأرستقراطية ترحب بالموهبة. لم يكن ل «برك» حسب ولا نسب، ومع ذلك فقد يسر الأرستقراط أن يضموه إليهم، وكان دائما يظفر بمقعد في البرلمان؛ لأنهم كانوا يعرفون أنه من النوابغ. وكانت الملكية - كما كان بيت هانوفر طوال تاريخه - غير شعبية دون أن ينجم عن ذلك ضرر؛ إذ كانت تسمح بأن تتولى الحكم جماعة من البرلمانيين بإمكانهم دائما أن يهددوا الملوك بأنهم إذا أساءوا السلوك أعيدوا إلى البلاد التي أتوا منها! ومن ثم انفسح مجال الأعمال الجليلة لأصحاب المواهب، وحتى الطبقات الوسطى كانت صاحبة امتياز حتى الحرب العالمية، كانت كذلك فعلا بالرغم من أننا لم ندركه. وكان أبي على يسر معقول برغم أنه كان قسيسا ريفيا، ومع ذلك دفعت نفقات تعليمي فعلا من اعتمادات التفوق حتى بلغت الجامعة وخلال تعليمي الجامعي، ولم يكن ذلك لعجزنا عن سد النفقات، وإنما كان لأننا لم نطالب بالدفع. أما الآن فقد تغيرت الحال؛ فالمفروض أن تنفق اعتمادات التفوق - فيما أعتقد - على الطلبة المحتاجين إليها وحدهم.»

وكان التليفون يدق باستمرار، وكانت مسز هوايتهد تنهض بين الحين والحين وتذهب إلى غرفة جلوسها لكي تجيب عليه. ولما عادت أخيرا جلست على ذراع المقعد العميق الذي كان يستوي فيه زوجها وقالت: «إنه عميد إحدى كليات الشباب في ماساشوست وزوجه (وذكرت اسمها)

- «لتناول العشاء؟» - «كلا، بل بعد ذلك، لا يجب أن تكون دعوى عشاء، وينبغي أن توفر لنفسك راحتها.» - «إذن فلأنظر في مفكرتي.»

Página desconocida