Diálogos de Platón: Eutifrón - La defensa - Critón - Fedón
محاورات أفلاطون: أوطيفرون – الدفاع – أقريطون – فيدون
Géneros
Stygian River
وهو يصب في بحيرة ستكس
Styx
التي يكونها، وبعد أن يصب في البحيرة ويستمد لمائه قوى عجيبة، يجري تحت الأرض، دائرا حولها في اتجاه يضاد نهر بيرفليجثون، ويلتقي به في بحيرة أشيروزيا من الجهة المقابلة، ولا يختلط ماء هذا النهر أيضا بغيره، بل يجري في دائرة ويتدفق في جهنم، مقابلا لنهر بيرفليجثون، ويسمى هذا النهر كوكيتوس
Cocytus
كما يقول الشاعر.تلك هي طبيعة العالم الآخر، فلا يكاد الموتى يصلون إلى حيث تحملهم شياطينهم وحدانا حتى يقضى في أمرهم بادئ ذي بدء إن كانوا أنفقوا الحياة في الخير والتقوى أم لا، فمن ظهر منهم أن حياتهم لم تكن لا إلى الخير ولا إلى الشر، فإنهم يذهبون إلى نهر أشيرون، ويركبون ما يصادفونه من وسائل النقل، فيحملون فيها إلى البحيرة حيث يقيمون ويطهرون من أوزارهم، ويعانون جزاء ما أساءوا به للناس من أخطاء، ثم يغتفر لهم وينالون جزاء وفاقا بما قدمت أيديهم من خير، أما أولئك الذين لا يرجى لهم إصلاح، فيما يظهر، لفداحة ما أجرموا، أولئك الذين أتوا من الآثام المنكرة شيئا كثيرا، كتدنيس المعابد، وإزهاق الأنفس إزهاقا خبيثا عنيفا أو ما أشبه ذلك، أولئك يلقى بهم في جهنم لا يخرجون منها أبدا، فهي لهم أنسب مصير. أما هؤلاء الذين أجرموا إجراما لا يجل عن العفو على هوله، أولئك الذين قسوا على والد أو والدة مثلا وهم في ثورة من الغضب ثم أخذهم الندم مدى ما بقي من حياتهم، أو الذين قتلوا نفسا مدفوعين بظروف تخفف من جرمهم، هؤلاء يلقون في جهنم ولزام عليهم أن يصلوا عذابها حولا، وفي نهايته تقذف بهم الموجة: أما قاتل النفس فتقذف به إلى مجرى نهر كوكيتس، وأما قتلة الآباء والأمهات فإلى نهر بيرفيلجيثون، فيحملون إلى بحيرة أشيروزيا حيث يرفعون عقائرهم صائحين بضحاياهم القتلى، أو بمن نالتهم منهم إساءة، عسى أن تأخذهم بهم رحمة فيتقبلوهم ويسمحوا لهم بالخروج من النهر إلى البحيرة، فإن نالتهم الرحمة من أولئك، خرجوا ونجوا من عذابهم، وإن لم يرحموهم حملوا إلى جهنم مرة أخرى، ومنها إلى الأنهار. وهكذا دواليك حتى يظفروا ممن أساءوا إليهم بالرأفة، فهكذا قضى عليهم قضاتهم. أما من امتازت حياتهم بالتقوى؛ فأولئك يطلق سراحهم من هذا السجن الأرضي، فينطلقون إلى عليين حيث يقيمون في مقامهم الطاهر ويعيشون على تلك الأرض وهي أنقى، وأما أولئك الذين طهروا أنفسهم حقا بالفلسفة، فهم يعيشون منذ الآن متحللين من أجسادهم في منازل أجمل من تلك، يعجز عنها الوصف ويضيق الوقت أن أحدثكم عنها.إذن يا سمياس، وقد رأيت هذه الأشياء كلها؛ فماذا ينبغي لنا ألا نفعله لكي نظفر بالفضيلة والحكمة في هذه الحياة؟ ألا إن الجزاء لجميل، والأمل لعظيم.لست أريد أن أقطع بصدق الوصف الذي قدمته عن الروح ومنازلها؛ فما ينبغي لرجل ذي فطنة أن يقطع بهذا، ولكنه في رأيي حقيق وقد اتضح خلود الروح أن يجازف بالظن، لا خاطئا فيه ولا عابثا، أن يكون الصواب شيئا كهذا، وإنه منه لظن عظيم، ولا بد له أن يسري عن نفسه بمثل هذه الكلمات، فمن أجلها أطلت حكايتي، ولهذا أوصيكم ألا يأخذ أحد على روحه الأسى، ما دام قد طرح زينة الجسد ولذائذه، واعتبرها غريبة عنه، بل هي أدنى إلى إيذائه بما تجر وراءها من أثر، وما دام في هذه الحياة قد تعقب لذة المعرفة، إلا أن أولئك الذين يزينون أرواحهم بلآلئها الصحيحة، وهي: الاعتدال والعدل والشجاعة والنبل والحق، أولئك تكون أرواحهم، إذا ما زينت بتلك اللآلئ، مهيأة للرحيل إلى العالم الأدنى حيث يدركها الموت. فأنتم، أي سمياس وسيبيس ويا سائر الرجال، سترحلون في وقت قريب أو بعيد، أما أنا، فها هو ذا يناديني صوت القدر على حد قول شاعر المأساة، ولا بد أن أجرع السم عما قريب، ويجمل بي فيما أظن أن أذهب أولا إلى الختام حتى لا يشق على الناس غسل جسماني بعد موتي.فلما أن فرغ من الحديث قال أقريطون: أعندك ما تشير علينا به يا سقراط؟ ألديك ما تقوله عن أطفالك، أو عن أي شيء آخر نستطيع أن نعينك في أمره؟فقال: ليس عندي شيء بعينه، غير أني أحب لكم، كما كنت أحدثكم دائما، أن تعنوا بأنفسكم، فذلك فضل تستطيعون أن تواصلوا أداءه لي، ولذوي ولنا جميعا. ولا ينبغي لكم أن تكونوا أدعياء فيما تقولون؛ لأنكم لو جهلتم أنفسكم وصدفتم عما أوصيتكم به، وليست هذه أول مرة أوصيكم فيها، فلن تجدي عليكم حماسة الادعاء شيئا.قال أقريطون: سنبذل جهدنا، ولكن كيف تريدنا أن نواريك الثرى؟على أي وجه تشاءون، غير أنه لا بد لكم أن تمسكوا بي، وأن تحذروا فلا ألوذ منكم بالفرار. ثم التفت إلينا وأضاف باسما: لا أستطيع أن أقنع أقريطون أنني سقراط ذاته الذي كان يتحدث ويوجه الحوار، يحسبني سقراط الآخر الذي سيشهده بعد حين جثة هامدة، وهو يسائل ماذا عسى دفني أن يكون؟ مع أني قد أفضت في الحديث محاولا إقامة الدليل على أني مخلفكم حين أجرع السم، حيث أتوجه إلى لذائذ أصحاب النعيم. ويظهر أنه لم يكن لحديثي هذا الذي سريت به عن أنفسكم وعن نفسي، أثر في أقريطون؛ لذلك أريدكم أن تكونوا لي الآن عنده كفلاء، كما كان هو كفيلي عند المحاكمة، على أن يختلف وعدكم عما وعد؛ فقد كان كفل للقضاة أني سأبقى، ولكن عليكم أن تكفلوا له أني غير باق، بل إني ظاعن راحل، فتقل بهذا لوعته عند موتي، ولا يحزنه أن يرى جثماني يحترق أو يهال عليه التراب. إني لا أحب له أن يتحسر على جدي العاثر، بأن يرتاع لدفني؛ فتأخذه الحيرة: على هذا النحو نكفن سقراط، أو هكذا نشيعه إلى القبر أو نواريه التراب. إن الأقوال الباطلة ليست شرا في ذاتها فحسب؟ بل إنها لتصيب الروح بشرها. لا تحزن إذن، أي عزيزي أقريطون، وقل إنك لا تقبر مني إلا الجثمان؛ فاقبره على النحو الذي جرى به العرف، وكما تفضل أن يكون.ولما فرغ من هذه العبارة، نهض ودخل غرفة الحمام، يصحبه أقريطون، الذي أشار إلينا بأن ننتظر؛ فانتظرنا نتحدث ونفكر في أمر الحوار وفي هول المصاب. لقد كنا كمن ثكل في أبيه، وأوشكنا أن نقضي ما بقي من أيامنا كالأيتام. فلما تم اغتساله جيء له بأبنائه (وكانوا طفلين صغيرين ويافعا) كما وفدت نساء أسرته، فحادثهن وأوصاهن ببعض نصحه، على مسمع من أقريطون، ثم صرفهن وعاد إلينا.ها قد دنت ساعة الغروب؛ فقد قضى داخل الحمام وقتا طويلا، وعاد بعد اغتساله فجلس إلينا، ولكنا لم نفض في الحديث. وما هي إلا أن جاء السجان ، وهو خادم الأحد عشر، ووقف إلى جانبه وقال: لست أتهمك يا سقراط بما عهدته في غيرك من الناس، من ثورة الغضب؛ فقد كانوا يثورون ويصيحون في وجهي حينما آمرهم باجتراع السم، ولم أكن إلا صادعا بأمر أولي الأمر، أما أنت؛ فقد رأيتك أنبل وأرق وأفضل ممن جاءوا قبلك إلى هذا المكان؛ فليس يخامرني شك أنك لن تنقم علي؛ فليس الذنب ذنبي، كما تعلم، إنما هي جريرة سواي. وبعد فوداعا، حاول أن تحتمل راضيا ما ليس من وقوعه بد، وإنك لعليم فيم قدومي إليك؟ ثم استدار؛ فخرج منفجرا بالبكاء.فنظر إليه سقراط وقال: لك مني جميل بجميل، فسأصدع بما أمرتني به. ثم التفت إلينا وقال: يا له من فاتن! إنه ما انفك يزورني في السجن، وكان يحادثني الحين بعد الحين، ويعاملني بالحسنى ما وسعته، انظروا إليه الآن كيف يدفعه فضله أن يحزن من أجلي، فلزام علينا يا أقريطون أن نفعل ما يريد، مر أحدا أن يجيء بالقدح إن كان قد تم إعداد السم، وإلا فقل للخادم أن يهيئ شيئا منه.فقال أقريطون: ولكن الشمس لا تزال ساطعة فوق التلاع، وكثير ممن سبقوك لم يجرعوا السم إلا في ساعة متأخرة بعد إنذارهم، إنهم كانوا يأكلون ويشربون وينغمسون في لذائذ الحس، فلا تتعجل إذن؛ إذ لا يزال في الوقت متسع.فقال سقراط: نعم يا أقريطون، لقد أصاب من حدثتني عنهم فيما فعلوا؛ لأنهم يحسبون أن وراء التأجيل نفعا يجنونه، وإني كذلك لعلى حق في ألا أفعل كما فعلوا؛ لأنني لا أظن أني منتفع من تأخير شراب السم ساعة قصيرة؛ إنني بذلك إنما أحتفظ وأبقي على حياة انقضى أجلها فعلا، إني لو فعلت ذلك سخرت من نفسي، أرجو إذن أن تفعل بما أشرت به، ولا تعص أمري.
موت سقراط.
فلما سمع أقريطون هذا، أشار إلى الخادم فدخل، ولم يلبث قليلا أن عاد يصحبه السجان يحمل قدح السم، فقال سقراط: أي صديقي العزيز، إنك قد مرنت على هذا الأمر، فأرشدني كيف أبدأ. فأجاب الرجل: لا عليك إلا أن تجول حتى تثقل ساقاك ثم ترقد، فيسري السم. وهنا ناول سقراط القدح، فحدق في الرجل بكل عينيه، يا أشكراتس، وأخذ القدح جريئا وديعا لم يرع ولم يمتقع لون وجهه. وهكذا تناول القدح وقال: ما قولك إذا سكبت هذا القدح لأحد الآلهة، أفيجوز هذا أم لا يجوز؟ فأجاب الرجل: إننا لا نعد يا سقراط إلا بمقدار ما نظنه كافيا. فقال: إني أفهم ما تقول، ومع ذلك فيحق لي بل يجب علي أن أصلي للآلهة أن توفقني في رحلتي من هذا العالم إلى العالم الآخر، فلعل الآلهة تهبني هذا؛ فهو صلاتي لها. ثم رفع القدح إلى شفتيه وجرع السم حتى الثمالة رابط الجأش مغتبطا. وقد استطاع معظمنا أن يكبح جماح حزنه حتى تلك الساعة، أما وقد رأيناه يشرب السم، وشهدناه يأتي على الجرعة كلها، فلم يعد في قوس الصبر منزع، وانهمر مني الدمع مدرارا على الرغم مني، فسترت وجهي وأخذت أندب نفسي، حقا إني لم أكن أبكيه، بل أبكي فجيعتي فيه حين أفقد مثل هذا الرفيق. ولم أكن أول من فعل هذا، بل إن أقريطون وقد ألفى نفسه عاجزا عن حبس عبراته، نهض وابتعد، فتبعته. وهنا انفجر أبو لودورس الذي لم ينقطع بكاؤه طول الوقت بصيحة عالية وضعتنا جميعا موضع الجبناء، ولم يحتفظ بهدوئه منا إلا سقراط، فقال: ما هذه الصرخة العجيبة؟ لقد صرفت النسوة خاصة حتى لا يسئن صنيعا على هذا النحو؛ فقد خبرت أنه ينبغي للإنسان أن يسلم الروح في هدوء؛ فسكونا وصبرا.فلما سمعنا ذلك، اعترانا الخجل وكفكفنا دموعنا. وأخذ سقراط يتجول حتى بدأت ساقاه تخوران - كما قال - ثم استلقى على ظهره، كما أشير له أن يفعل. وكان الرجل الذي ناوله السم ينظر إلى قدميه وساقيه حينا بعد حين، ثم ضغط بعد هنيهة على قدمه بقوة وسأله هل أحس فأجاب أن لا، ثم ضغط على ساقه، وهكذا صعد ثم صعد، مشيرا لنا كيف أنه برد وتصلب. ثم لمس سقراط نفسه ساقيه وقال: ستكون الخاتمة حين يصل السم إلى القلب. فلما أخذت البرودة تتمشى في أعلى فخذيه كشف عن وجهه؛ إذ كان قد دثر نفسه بغطاء، وقال (وكانت هذه آخر كلماته): إنني يا أقريطون مدين بدينك لأسكلبيوس
Asclepius
فهل أنت ذاكر أن ترد هذا الدين؟ فأجاب أقريطون أنه سيوفي الدين، ثم سأله إن كان لديه رغبة أخرى، ولم يكن لهذا السؤال من جواب. وما هي إلا دقيقة أو دقيقتان حتى سمعت حركة، فكشف عنه الخادم، وكانت عيناه مفتوحتين؛ فأقفل أقريطون فمه وعينه.هكذا يا أشكراتس قضى صديقنا، الذي أدعوه بحق أحكم من قد عرفت من الناس، وأوسعهم عدلا وأكثرهم فضلا.
Página desconocida