إنها الرمية الأخيرة .. مضى الوقت فيما مضى السرطان منتشرا في جسد غسان المفخخ بالخلايا السرطانية .. لو يستطيع تفجير نفسه في مكتب العقيد بل في جهاز المخابرات بأكمله .. لو يستطيع ذلك فتتناثر الخلايا في الجهاز بأكمله عساهم يدركون أمام أية خيارات يقف غسان وفي أي مأزق هو. «فلنحذف السطور الأخيرة فربما تكون قاسية، ولكن كيف يتوقف العقيد «الفلسطيني» عن ابتزازه؟»
توقف العقيد عن اطلاعه الطويل والممل على ملف غسان، وكرر ما بدأ الجلسة به: كما أخبرتك؛ قضية سفرك وعلاجك أبسط مما تتصور .. تستغرق أقل من ثانية .. هي ضغطة زر على حاسوبي .. الأمر بسيط يا غسان، أفلا تساعدني بمساعدتك يا صديقي؟
ابتسم غسان وهو يرد: سمعت الكلام نفسه من الضابط «خيمي»، أتعرفه؟
لم يكن غسان ليتصور أن يصفعه العقيد في هذه اللحظة تحديدا، تحسس جبينه وهو يبتسم، فيما راح العقيد يخفي وجهه وراء حاسوبه كأنه قد غاب فيه.
5
سقط شعر رأسه مع سقوط الأمل الأخير بالحياة وسقوط أجهزة المخابرات، ومع سقوط كل شيء كان ثمة ما يقرع جدران صدره وينبض بحياة ما، كأنه «الموت يلد حياة» .. ذاك الموت الذي كان خيارا، ونادرا ما يجسر المرء على اختيار الموت.
كل شيء قد سقط فتحالفت الخلايا السرطانية مع أجهزة المخابرات وأجهزة الطب العاجزة وأجهزة غسان المعطلة في احتلال واحد انقض عليه وحاصره من كل جانب .. وقتله سريعا قبل أن يصحو ذاك الإله الضخم الذي بدأ بدودة الرفض.
سقطت قطعة النقد الأخيرة أرضا على إحدى وجهيها. كثيرون قالوا بأنه وجه الموت، أما الذين عرفوا غسان فقالوا: كان وجه الحياة.
Página desconocida