قال، فردت ببرود دون أن تنظر إليه: وجدت الباب مفتوحا .. هل كنت تنتظرني؟
راح يمزق الورقة، ثم قال وهو يستشيط غضبا: هذا لا يعطيك الحق بأن تقتحمي بيتي! - أنا هنا بملء إرادتك .. تستطيع طردي متى تشاء.
ذهب يتحرك في الغرفة بشكل عشوائي دون أن يتفوه بكلمة واحدة، أما هدى فقد عدلت من جلستها وقالت: أنت لا تريد طردي.
تسمر في مكانه وهو يحدق فيها، ثم قال: والآن .. ماذا تريدين؟ - هل تظن أنك بالكتابة ستنتصر؟ - ماذا تريدين؟ - وأن الرواية تهزم الحرب وتخلد نجاة؟
لم يجب جاد، بل شرد بعيدا يفكر، اقتربت منه وسألته بهدوء يعتريه قليل من الحزن: هل مكثت نجاة طويلا وهي مختطفة؟ - بقيت ثلاثين يوما .. من أخبرك؟ - كل الصحف كتبت عن ذلك!
جلس على مكتبه متجاهلا لها، وعاد للكتابة مجددا، أما هدى فقد استطردت بحرقة: كتبوا أنك صمدت رغم كل الضغوطات التي تعرضت لها، وأنك رفضت مساومة الخاطف على قلمك، رغم اختطاف زوجتك، ولكن أحدا منهم لم يكتب كم قاست نجاة أثناء اختطافها .. الكل يقول بأن الكاتب «جاد» يتعرض لابتزاز وحصار ومنهم من قال مؤامرة وآخرون كتبوا: محاولة لاصطياده، وصحيفة أخرى نشرت بأن «جاد» يتعرض لمساومة بشعة، وكلهم ألحقوا الخبر بأن زوجة الكاتب «جاد» مختطفة ولم تذكر صحيفة واحدة اسم نجاة .. نجاة أقصد نجاة نفسها .. نجاة ... - كفى!
صرخ بملء فمه ومزق محاولته الجديدة.
4 «لست أنا، إنها الحرب .. أنا عاجز أمامها يجب أن أعترف، لم أستطع أن أخلصك وأخلص نفسي من وجع الفاجعة، وانتظرت شيئا ما ينقذك ولم يحدث، ومنذ ذلك اليوم وأنا مدفون في مكتبي بين محاولات عاجزة عن تخليدك.
إني أحس بهول فقدانك يستجمع نفسه كغيمة سوداء قاتمة، لقد تقيأت الكثير من الدم والحزن هذا اليوم، تقولين بأن هذا الحزن عام، والدم يفترش الطرقات، تلك هي الحرب .. ربما ولكن الحرب التي أخذت السنين الأخيرة من حياتي ليست أكثر من هذا الشعور الآسن بالهزيمة والوجع والفقد المشوب بالوجد».
استيقظ جاد من نومه أو من شروده؛ فقد قضى ليلته في سهد يتفرس النظر في سقف غرفة نومه، غرفة خيبته وبؤسه .. اتجه إلى المكتب المكتظ بالفوضى فوجد هدى تجلس هناك وقد جمعت جميع أوراقه الممزقة لتقرأها، اقترب منها مسرعا فقالت بهدوء: قرأتها للمرة الثالثة .. أعرف جيدا كم تحبها، ولكنك لن تستطيع كتابتها.
Página desconocida