كانت تقف هناك أمام النافذة وتنظر إلى الباب الرئيسي كأنها تنتظر أحدا ما، ناديت: أمي؟
التفتت ولم تجب. - هل تنتظرين أحدا ما؟
ردت بغضب: أنتظر عزرائيل، ألديك مانع؟ - لن يأتي اليوم .. جئت لزيارتك عوضا عنه. - ومن تكون أنت؟ - أنا وليد. - لا أعرف أحدا بهذا الاسم.
وعادت إلى انتظارها أمام النافذة، كأنها تريد انتظاري ولا تريدني .. حاولت عبثا أن ألفت نظرها إلي، أن أفعل أي شيء؛ فالنهار يمضي، حتى إنني مارست إلحاحا لم أعتده، فالتفتت إلي منفجرة: ارحل من هنا فقد مات ابني الوحيد، وأنا أنتظر عزرائيل ليأخذني إليه .. اشتقت إليه كثيرا .. أنت لا تعرف ابني فهو شاب نبيل لم يلق بي هنا كما تتخيل في قرارة نفسك، بل تركني أنتظره ريثما يعود وقد مات في طريق عودته إلي .. العودة دائما صعبة .. أخبرته بذلك ولكنه ..
توقفت برهة عن الكلام ثم صرخت: لماذا أتعب نفسي في الحديث معك؟ .. لا يمكن لك أن تفهم .. قلت لك انصرف .. هيا انصرف. •••
اليوم ينقضي بسرعة ولم أجد بعد ما يستحق الموت .. يبدو أن الموت من أجل شيء ليس بالأمر السهل، ولكنه في جميع الأحوال أقل تعقيدا من الحياة من أجل شيء.
أما الآن فلم يعد أمامي إلا وفاء، هي الأقدر على إعطاء الحياة قيمة تستحق بجدارة أن أخسرها .. فهي فتاة شاعرية جدا، بالتأكيد ستصرخ في وجهي ثم تشتمني وربما تصفعني كنوع من المبالغة التي اكتسبتها من الأفلام، وبعد ذلك سألاطفها قليلا وقد تحن لشيء ما معي، أي شيء .. ولكن الغريب في الأمر أنها لم تبال قط حينما رأتني، بل قالت بهدوء شديد: تخيل أن صديقك المقرب قد تذكرك اليوم بجملة عابرة، ربما يستطيع رؤيتك .. اصعد إليه إن أردت. - وما أدراك أنه لم يزل يتذكرني؟ - خرجت توا من بيته وقد مرت عبارة ما متعلقة بك .. هكذا أذكر. - وماذا فعلتما؟
ضحكت بسخرية وهي تقول: أشياء كثيرة ولكننا بالطبع لم نكن نصلي.
وذهبت كأن الأمر لا يعنيها. •••
أوشك اليوم على الانتهاء ولم أجد ما أفعله، ككل يوم .. كل يوم يمضي ولا أفعل شيئا .. يبدو أنني نسيت كيف يعيش الناس، وماذا يفعلون في يومهم العادي؟
Página desconocida