Muhalhil, el señor de Rabia
المهلهل سيد ربيعة
Géneros
قال جساس بصوت خافت: «نحمل نساءنا وأطفالنا ونتسلل في أودية اليمامة حتى نبلغ منازل تغلب من وراء ظهورهم، فنتقوى بما عندهم من أموال، وإذا رجعوا إلينا بعد حين ليحموا حرمهم قابلناهم وقد استرحنا وهم في جهد السفر الطويل.»
فتحرك الشيخ حركة ضجر في مجلسه وقال في لهجة قاسية: «تذهب إلى منازل تغلب؟ وماذا نجد هناك سوى النساء والصبية، أو كل ضعيف من الشيوخ والمرضى؟ أتريد أن تعيد علينا معرة فوق معرة؟ ألا تذكر يوم قتل (ابن غنم) المرأة التغلبية؟ ماذا جر علينا قتل المرأة غير العار الذي لا يزال لاحقا بابن غنم وأهله وقومه؟ دع عنك هذا فإنك إن تنصر عدوك بمثل هذا البغي. إننا لو فعلنا ذلك الذي تشير به لما زاد علينا العرب إلا غضبا، وكفانا ما جلبنا على أنفسنا من عداوة الأقوام.»
ولم يطل الحديث بعد ذلك بين الأب وابنه، فقد أقبل همام بن مرة مسرعا على فرسه وهو يلوح بشملته في الهواء، وفي مظهره ما ينم عن الفزع من أمر خطير. فأسرع الشيخ ليقف على قدميه وهو يترنح من ضعف الشيخوخة، وساعده جساس حتى وقف، وسار بخطى متعثرة نحو ولده المقبل ينظر نحوه في لهفة، وجساس إلى جواره يسنده من تحت إبطه.
ولما اقترب من همام صاح به في لهفة: هل من جديد؟
فقال همام مسرعا: العدو وراء هذه الكثبان.
وأشار إلى الربى الصفراء التي عند الأفق، ثم قال وهو يهمز فرسه: هلم يا جساس، املأ لنفسك قربة ماء والحق بي، فإني ذاهب لأنذر الناس.
ولم ينتظر همام جوابا، بل لف لثامه فوق أنفه وفمه، ليلتقي به الهواء اللافح والحر المتقد، ثم وثب بفرسه نحو منازل قومه، فقال الشيخ وهو ينظر في أثره: «ولدي!»
ثم غص بريقه فسكت. ووقف ينظر نحو التلال البعيدة كأنه في حلم.
ووثب جساس إلى فرسه، فما هي إلا لحظة حتى كان في أثر أخيه، وغيبهما الغبار الثائر عن عيني الشيخ الحزين.
بعد ساعة كان فرسان بني شيبان يسيرون نحو الكثبان ليلاقوا العدو المغير، وسيوفهم تبرق في أيديهم، وأسنة رماحهم تلمع في ضوء الشمس الساطعة كأنها شرر منبعث من لهيب. وكانت الرياح الحارة تثير الرمال، وتلفح الوجوه وتكاد تخنق الأنفاس. ونظر مرة إليهم وهم سائرون، فرآهم صفوفا ضئيلة فوق خيول ضامرة، يسرعون إلى القتال وهم يعلمون أن العدو قد أقبل نحوهم في عدده وعدته، يريد أن يستأصل بقيتهم بعد أن أفنى منهم الألوف في وقعة بعد وقعة. واسودت الدنيا في عيني الشيخ عندما تذكر أنه لم يبق له من قومه إلا هذه الفئة القليلة، ولم يبق بيت من بيوت شيبان إلا وقد فجع في زهرة شبابه وصفوة فرسانه. فرفع يده إلى عينه ومسح دمعة ترقرقت فيها، وقال كأنه يحدث نفسه: «ألا ما أقلها من بقية! لقد عشت حتى أرى هذا! فيا ليتني ...»
Página desconocida