Muhalhil, el señor de Rabia
المهلهل سيد ربيعة
Géneros
فيا سعد لا تغرر بنفسك وارتحل
فإنك في قوم عن الجار أموات
وذهبت إلى فراشها عقب عودتها، فاستلقت فيه ضعيفة، ولا تزال الوساوس تعاودها حتى أقبل زوجها عند المساء، فدخل الخباء إليها قبل أن تنهض للقائه، وقد سري عنها عندما رأته باسما مرحا كثير الدعابة والفكاهة. فقضى معها صدر المساء في سمر ثم قاما معا فأصابا شيئا من الطعام، فإنها لم تذق منذ الصباح طعاما. ثم جلس إليها يحدثها ويضاحكها حتى زال عنها أثر الدوار الذي ألم بها، ولكنه لم يتكلم بشيء عن ناقة سعد بن شميس جار البسوس، ولم تفاتحه جليلة بالأمر خوف أن يعرف منها ما قاله جساس.
وجاء في جوف الليل طارق يزور كليبا، فانتحى به مكانا في جانب الخيمة، وجعل يساره ببعض الحديث، ثم مضى بعد حين وعاد كليب إلى مكانه مع زوجته، وأخذ يحدثها بذكر أيامه الماضية ومواقعه المشهورة مع قبائل اليمن منذ سنين، ولكنه لم يذكر لها كلمة عن خالتها البسوس، ولا عن الناقة سراب، ولا عن أخيها جساس.
وكانت جليلة منذ خرج الزائر تحب أن تستطلع من زوجها ما أسر الرجل إليه، فقد خشيت أن يمشي الوشاة بينه وبين أخيها بالكذب فيزداد ما بينهما من البغضاء، ولكنها لم تجد وسيلة لفتح أبواب الحديث الذي يؤدي إلى ذلك الاستطلاع، غير أن كليبا عرض في حديثه إلى ذكر فحله علال، وجعل يعدد محاسنه بين الإبل، فاستخلصت جليلة من ذلك أن الزائر قد حمل إليه ما قاله جساس، وتهديده بقتل أسمن الفحول في ثأر ناقة جاره، وتنفست الصعداء وشاركت زوجها في مرح الحديث.
الفصل السادس
ماتت «سراب» ناقة سعد بن شميس ضيف البسوس، وما كان موت ناقة ليقع على قوم مثل ما وقع موت هذه الناقة على بني مرة قوم جساس. لقد حاولوا جهد طاقتهم أن يترفقوا في نزع السهم من ضرعها، وأن يداووا جرحها، وكانوا يتلهفون على سلامتها كأنها مريض عزيز يحيط العواد بفراشه.
فلما ماتت اهتز لها الناس، وقضوا أياما في وجوم يتوجسون من خوف ما قد تطالعهم به الأماسي والأصباح، ولكن الأيام مرت أسابيع بعد أسابيع ولم يحدث حدث مما كانوا يخشون، فأخذت المخاوف تهدأ، وأخذ شبان تغلب يتفكهون فيما بينهم بتهديد جساس، فقد عرف العرب أن يثأروا لرجالهم بطلب الدماء، ولكن هذا جساس يثور لطلب دم فحول الإبل انتقاما للنياق! وكانوا يقولون إذا رأوا جساس بن مرة: «ما بال الركبان لا تسير بالحديث؟ ما بال هذا الثائر لا يزال يتربص بالفحول؟ هذا هو جساس يسكن ويركد ويخشع بعد أن أظهر له كليب بن ربيعة أنه يبر بيمينه ويحقق وعيده، ولا يبيح لأحد أن يستبيح حماه. وأي امرئ يكون جساس إذا قيس بسيد ربيعة المنيع؟ إنه تجرأ واعتدى وكان اعتداؤه بدعة، حتى إذا ما سطا كليب وأظهر له نواجذه غضبا خشع ولزم الحدود.»
وكان جساس في أثناء هذه الأيام يسمع الهمسات التي يفتكه بها شبان تغلب، فتقع في نفسه وقع السهام، وداخله من ذلك هم مضن حتى حال لونه، وصار لا يأنس إلى أهل ولا أصحاب، فما كان أحد يراه إلا في الأطراف البعيدة الموحشة سائرا وحده، فإذا أنس إلى أحد من الناس فما كان أنسه إلا إلى فتى صئيل من أهون بيوت بكر وأضعفها حولا، فتى ضعيف لم يشترك مرة فيما يشارك فيه الفتيان من لهو أو جد. ولم يعرف أحد له محلا في أمر تافه أو عظيم. كان هذا عمرو بن الحارث البكري غريم الكلب عساف الذي عرف الناس جميعا قصته.
كان عمرو هذا يحمل لكليب بن ربيعة صنفا من الكراهية عجيبا، كان لا يتحمل أن يسمع ذكر اسمه، فإذا سمعه اضطرب واختلج ومضى في سرعة تشبه الذعر، ولكنه كان لا ينطق بكلمة تنم عن كرهه، ولا يشارك في الهمسات التي يتهامس بها شبان بكر عن طغيانه وعسفه. وقد وقع في قلبه هذا الكره العجيب منذ يوم بعيد، إذ كان يسير على مقربة من روضة كليب بن ربيعة، فنبحه الكلب عساف الواقف عند مدخلها، وهجم عليه فمزق ثيابه وعضه في فخذه فكاد ينزع نساه، فجرى الفتى في ذعر خيفة أن يراه الأمير المخيف فيوقع به، كما كان يوقع بكل من تجرأ واقترب من موضع الكليب، وأحس من ذلك ذلة طعنت قلبه، ولكنه لم يستطع أن ينفس عنها بكلمة إلى حميم.
Página desconocida