La Triple Alianza en el Reino Animal
المحالفة الثلاثية في المملكة الحيوانية
Géneros
تعلمون - رعاكم الله - أن البغال في البلاد الشمالية التي أنا منها لا يزالون على شيء قليل من السؤدد والعز، غير أن هذا القليل سيزول قريبا، وتمسي البغال والخيل في حالة واحدة تشملها التعاسة والذل والهوان، إن جمعيتنا البغلية يتناقص عدد أعضائها يوما فيوما؛ وذلك لأن الحالة السائدة على الخيل في هذه البلاد تحكم الآن بنوع ما على البغال في بلادنا، فالتجارة المتبادلة بين الأمتين تمهد طرق الترقي الحديث، والاختراعات العلمية، والقوات الكهربائية أخذت تظهر الآن أمامنا، وصرنا نشعر بشيء من سوء تأثيرها علينا، ولو لم يكن لنا مستعمرات عديدة يلزمها للقيام بشئونها وتدبيرها بغال كثيرة لكانت جمعيتنا الآن في ظلمة الموت والنسيان، ولكن لا يزال الملك شاملنا بأنظاره، وحامينا بتاجه وسلطانه، ومع ذلك فنحن في رأيي لم نحسن قط تدبير الجمعية؛ إذ إننا لم نجتهد في أن نوسع نطاقها، ونزيد أعضاءها، بليتنا الكبرى هي من مجلسنا الذي أقمناه لتدبير شئون الجمعية، فهو - والحق يقال - مجلس جمع دببة الغباوة والطيش، والتعصب والظلم، وكل حكم يصدره هذا المجلس يضعف من قوتنا، ويجعلنا ممقوتين بين الناس والحيوانات، وقد سمعتم ولا شك بالحكم الأخير الذي أصدره حكم لا يدل على شيء من الحكمة والرزانة والسياسة، أريد به الحرم الذي ألقته جمعيتنا بواسطة مجلسها الموقر على أحد الثعالب الكبار الذين يبشرون في آخر هذا الزمان بمذهب كهربائي تصدع الرءوس صدمته، وهو ينتشر بسرعة البرق، ولكنه لا يختفي كالبرق عند ظهوره، وكلما شددنا على أصحاب هذا المبدأ الكهربائي اللعين كلما ازداد نوره، وكلما ضغطنا عليه ازداد ارتعاشنا، فالحرم الذي وضعه مجلسنا المستبد على هذا الثعلب الكبير بين قومه قد أضر بجامعتنا ضررا جسيما؛ لأنه جاء على عكس ما كنا نظن، وعوضا عن أن يبعد بقية الثعالب والحيوانات عن صاحب هذا المبدأ الخبيث زادهم تقربا إليه، نحن نسلحهم بطيشنا وهم يقاتلونا باتحادهم، ولا تظنوا أنني أهاب هذا الثعلب السفيه المجدف، وإني أنتقد مجلس التدبير خوفا من هذا الكافر، وتزلفا إليه، كلا فهو الحق أقوله صادعا، تكفينا المخاطر الخارجية، فما الحرم إلا ألعوبة يلهو بها المحارم، ويرفسها المحروم، لا أنكر أنه كان لهذه الألعوبة أيام هائلة في الأحقاب الغابرة، فكانت إذا وقعت على رأس أحد قتلته اجتماعيا وأدبيا، وقتلت معه كل من ينتمي إليه، أما الآن فالطابة كبيرة، غير أنها مملوءة هواء، والذي يراها في الجو ساقطة ينخدع ويهرب من تحتها، ولكن بعد أن تقع على الأرض يسكن روعه، ويضحك كثيرا، إن هذه الخزعبلات لمن الآثار القديمة التي يجب علينا تركها، فالأولى بنا أن نباشر أعمالا تضمن لنا الفوز، وتبقي سلطتنا محصنة بمعاقل الاتحاد والذوق السليم، إن العدو شديد البأس عظيم القوة، وإذا لم نقابله بقوة أعظم وأشد فعلى جمعياتنا البغلية والحمارية، ومجالسنا التدبيرية السلام، لا حاجة للقول إنني من رأي الحصان الفاضل في كل الأفكار التي أبداها، وبرهن عنها بفصاحة وبلاغة يعجز مثلي عن الإتيان بمثلها، غير أني أريد أن أسأله علنا سؤالا واحدا صغيرا وهو: أية طريقة يجب علينا اتخاذها لننتصر على القوات الكهربائية والبخارية، ولنسحق التمدن الحديث، ولنقتل النجاح المادي الذي أفقرنا وأغنى أعداءنا؟ لا شك في كون الاتحاد مقبولا ومعقولا، فأنا أضحي الحقوق التي تطلبونها إن اقتضى الأمر، وأعري نفسي من السلطة المعطاة لي إذا كانت هذه المحالفة تتم، ولكن كيف يجب أن نباشر العمل.
أنا أثني على قول الحصان الفاضل في أن المناقشات المنطقية والسفسطية، والجدالات اللاهوتية لا تفيدنا، ولا مجال لها في هذا المؤتمر، وأننا كلنا من تبعة الأسد له المجد، وتلك الاختلافات الصغيرة لم تولدها إلا مطامعنا، وبالحري مطامع أسلافنا، فهل يجب أن نخضع لأغلاط أسلافنا؟ هل يحكم الماضي المحدود على المستقبل الغير المحدود؟ هل يسود الجهل على العلم الحقيقي والظلام الكالح على النور الإلهي الساطع. نعم، إننا نعيش في جبل النور، وإذا كنا ذوي عزم وحزم ونشاط ودهاء، فلنستخدم نور الكهربائية لسحقها، أي لنقتل عدونا بسلاحه، إني أشعر من ذاتي بضعف وانحلال أظنهما ناجمين عن دخول التحسينات العصرية إلى بلادنا الشمالية، وكلما قربت منا هذه القوات سلبتنا شيئا من قوتنا بجاذبيتها، فلا يمضي ردح من الزمن، ونحن على هذه الحال حتى نرى أنفسنا في قبضتها وتحت دواليب العربات والأرتال، هذا إذا لم نتحد ونبذل الجهد في إبعادها عنا، وملاشاتها من العالم كله.
يجب أن تبقى مدفونة في طبقات الأرض كما قال حضرة الحصان المحترم، ولا أظن أن كلامي يزيد الفائدة بعد أن أفاض حضرته في الحديث، وبين لنا أضرار الشقاق ومنافع الاتحاد، فأنا بالنيابة عن نفسي، وبالأصالة عن إخواني وبغالي أقول صريحا: إننا مستعدون، ولا يحولنا أمر عن الاتحاد، وسنبذل في سبيله النفس والنفيس، ونضحي إن اقتضى الأمر كل عقائدنا وعوائدنا، ونظل متمسكين بما أمرنا به الأسد فقط، وكي لا أضيق صبركم، وأثقل على سمعكم أكثر من هذا أقتصر على ما تقدم، مكتفيا بالقليل من الكثير، راجيا من جميع الممثلين الحاضرين أن يعضدونا بنفوذهم، ويشاركونا بآرائهم، ويضعوا نصب أعينهم العبارة التي ختم بها من تقدمني خطابه الأنيق، ألا وهي: في الاتحاد الحياة، وفي الشقاق الممات، فلتكن الحكمة مشكاتنا في طريقنا الوعرة، وعلى الله وابنه - لهما المجد - الاتكال».
وكان لكلام البغل وقع حسن في نفوس سامعيه، وبالأخص البغال، فقد أخذ منهم التحمس كل مأخذ، وطفقوا يلبطون وينهقون، حتى إن أحدهم قام وشرب نخب البغل الذي تكلم، وأضاف إلى ما كان في جوفه من الخمرة كأسا أخرى، وأخذ يرقص من الطرب ويقول: الاتحاد بلا الخمرة هو كالسهاد الدائم كالحياة بدون رقاد، وكالنهار بدون الليل، فاشربوا ما زلتم صاحين، واستقبلوا الليل بالمدام، وما أحلى السكر تحت الظلام، إني أشرب نخب (وملأ كأسه ثانية، ثم نظر إلى الحاضرين وتبسم وقال): اشرب نخب الخمرة ذاتها، وشرب حتى برز بطنه، فأخذ يغني ويلبط ويرقص حتى اشمأز منه الصاحون من البغال والحمير، وطلبوا إخراجه، فقبض عليه حالا، وألحق بالحمار الذي طرد قبله، ثم وقف بعد ذلك رئيس الحمير وكبيرهم، وهم بالكلام فقاطعه الحصان قائلا: «اسمح لي أيها الحمار المحترم أن أجاوب البغل الفاضل على سؤاله، قال حضرته: إن الاتحاد أمر سهل، ولكن كيف يتم به نصرنا على العدو، فباختصار أقول: إن الخطة التي افتكرت بها هي أن نصدر بلاغا رسميا إلى كافة المؤمنين به، نأمرهم بألا يستخدموا القوات الكهربائية والبخارية، ولا يمسوها، ولا يقتربوا منها، ولا يعاملوا، ولا يضيفوا، ولا يصادقوا من كان له علاقة مع أصحابها، وبلاغنا هذا يعمل به متى جمعنا كلمتنا، وجعلنا أنفسنا تحت ظل سلطان واحد يكون له من القوة أعظمها، ومن السؤدد أمكنه، ومن المقام أرفعه، ومن البأس أشده، فيصدر هذا الحرم إذ ذاك، ويخيف المؤمنين ويرعبهم، فيطيعوا صاغرين خاضعين، أما في حالتنا الحاضرة فلا أحد يعتبر حرمنا، وكل الناس يزدرون بنا، ويسخرون بانقسامنا وخصوماتنا، حرم رسمي صادر عن مركز جمعية عمومية عظيمة، يلقي في صدور الحيوانات المؤمنين الرعبة، ويأتي بالمراد. هذه الخطة يجب علينا اتخاذها، وهذا هو الدهاء السياسي الذي يكفل لنا النصر، ويعيدنا إلى مركزنا السامي الذي سقطنا منه».
الفصل الرابع
المحالفة: تتمة
وبعد أن فرغ الحصان من كلامه، وتبوأ مركزه جاء الخدم بالقهوة والسكاير، ووزعوها على الحاضرين، فشربوا ودخنوا وهم معجبون بما ظهر في هذه الحفلة من الآراء السديدة، والشواعر الأخوية الجديدة المؤسسة كلها على الحب والاتفاق، فتهللوا وقالوا في أنفسهم: إن ملكوت السماوات قريب، وسنرثه بعد قليل على الأرض، وفي خلال هذه الفرصة قام رئيس الحمير ثانية وألقى خطابا فصيحا منسوجة بردته من الأقوال البخارية، والأمثال النباتية، والدرر الحيوانية، والتشبيهات الكيماوية، والأدلة العلمية، وكي لا يحرم القارئ من فائدته نثبته له بالحرف الواحد، وعلى فرض أنه لا يفيد فهو يكبر حجم القصة على الأقل، قال: «لم أسمع قط في زماني ما سمعته في هذا المؤتمر الزاهر من الحصان والبغل الفاضلين، ولم أحسب أنني أعيش إلى يوم فيه تتألف قلوب الرؤساء المتخاصمين، وتزول اختلافاتهم، وتتلاشى دفعة واحدة كل تحزباتهم وأغراضهم، كم هو جميل أن يعود الحصان والبغل إلى حضن أمهما الجمعية الأصلية الكلية الشاملة المقدسة، فهما لا شك يعرفان أن الأم تحن إليهما اشتياقا وترحب بهما بفرح وسرور عظيمين، فقد هجرتموها أيها الأفاضل مدة ليست بقليلة، وقد رميتم في قلبها حسرة الفراق، وولدتم في كبدها مرض السويداء، ولم تكتفوا بذلك بل شننتم عليها الغارة، ودسستم الدسائس، وكدتم المكائد، وهي لم تحنق عليكم قط، ولم تمت شواعرها اللطيفة، ففي أيام المصائب كانت تحبكم كما أحبتكم في أيام العز والسيادة، وقد قال نائب الأسد العظيم: «إنه يبغض الخطيئة، ويحب الخاطئ»، وقد مضى ما مضى، وعدنا الآن نطلب الاتحاد بعد الخصام، وجمع الكلمة بعد تفرقها، ورد العناصر بعد انحلالها إلى عنصر واحد، وهذا لا يتم إلا إذا كانت المحبة أساسه، فأنتم تعلمون بأن المحبة للجسم الاجتماعي هي كالأكسيجن للجسم الحيواني، فإذا وضعنا حيوانا في غرفة قذرة ليس في هوائها شيء من جوهر الأكسيجن، فلا يعيش هذا الحيوان إلا بضع ساعات، وإذا جعلنا اتحادنا قائما بذاته دون أن يدخله عنصر المحبة، فلا يبعد أن نخرج من هذا الإسطبل أعداء وليس أصدقاء، وكما أن الأكسيجن يدخله جوهر آخر وهو الأزوت (ولا تظنوا أني أريد بالأزوت ذاك الدواء العمومي الذي اختاره باراسلسوس الطبيب ليشفي جميع الأمراض)، بل هو الأزوت الذي يحترق في الجسم الحيواني، ويولد فيه الحرارة، فيجب أن يمتزج مع المحبة جوهر آخر وهو الغيرة، فالأكسيجن يحيينا، والأزوت يضرم في قلوبنا نار النشاط والغيرة والاجتهاد.
ولا يكفي أن تكون المحبة مع الغيرة أساس اتحادنا، بل يجب أن نضيف إليهما النزاهة والإخلاص، فهذه الأمور الجوهرية الثلاثة، أي: المحبة، والغيرة، والنزاهة هي المغذية لجسمنا الاجتماعي، والقائمة به، ومتى بنينا عليها اتحادنا فلا يقوى علينا وقتئذ الأشرار، وإذا اقتربوا منا يولون من خوفهم مدبرين خاسئين، ولا تظنوا أن سنة اتحادنا هذه محصورة في الهيئة الاجتماعية، فهي تشمل أيضا المملكة النباتية، يذكر من درس علم النبات أن المواد التي تجعل الأرض مخصبة، وتصير ترابها صالحا لإنماء النبات، وتغذيته هي تحاكي بخاصيتها العناصر الثلاثة التي قلنا إننا سنشيد عليها بنيان محالفتنا، وهذه المواد الضرورية لتغذية النبات هي الأزوت والحامض الفوسفوريك والبوتاسا، وإذا لم تتوفر المواد بحالات مخصوصة في الأرض لا ينمو عليها نبات مطلقا، وكما أن الأرض والنبات يفتقران دائما إلى هذه المواد الثلاث، فالجسم الاجتماعي يفتقر إلى الثلاث فضائل التي تحاكي بخاصيتها الأزوت، والحامض الفوسفوريك، والبوتاسا.
فالأزوت يضرم في الفؤاد نار الغيرة كما تقدم، ويحرق العدو في كبده، والفوسفور يسهل لنا طريق النزاهة، وينير قلوب المؤمنين، والبوتاسا تتمم وظيفتها، وتكون صلة أو جاذبا بين الاثنين، وتتحد مع الأكسيجن لتملأ لنا كأس المحبة، وكل يعلم أن سنة المحبة تفتح يديها لاقتبال جميع الحيوانات على اختلاف طبقاتهم باعتبار كونهم أولاد عائلة واحدة، مولودين من أب واحد رءوف رحيم، مفتدين من مخلص واحد، ومدعوين إلى إرث سرمدي واحد، فهذا هو حقا تعليم رفيق الأسد وإرشاده، كونوا جسدا واحدا، وروحا واحدة، كما دعيتم إلى رجاء دعوتكم الواحد، وللجميع رب واحد، وإيمان واحد، وإله واحد، وأب واحد هو فوق الجميع ، ومع الجميع، وفي جميعكم. هذا فيما اختص ببنيان الاتحاد وأساسه، أما وجوب الاتحاد وضرورته فهذا أمر آخر أرجو أن يكون لي قليل من الوقت لأبدي ما يعن لي في شأنه، ولا أرى مندوحة من أن أقول: إن جمعيتنا ليست في الضعة والانحطاط اللذين أحاطا بجمعيتي البغال والخيل، ولا تؤاخذوني إن أنا صرحت بأفكاري كيفما خطرت دون تكلف ومجاملة، فأنا أرى أيها الحصان والبغل المحترمان أنكما أشد احتياجا إلى الاتحاد منا، فنحن لا نزال راتعين في بحبوحة السؤدد، متبوئين عرش السلطة الغير المحدودة، ولا يزال لرئيسنا الشأن الأعلى، والحظوة الكبرى، والمجد الشامخ، والأمر المطلق المعزز؛ وذلك لأن القوات الكهربائية والبخارية لم تدهم حتى الآن سفح جبالنا الشامخة التي تتساقط عليها أمطار التقوى، ويكللها ثلج الطهارة والنقاوة، ولا ينبت في أراضيها الخصبة الصالحة إلا أشجار الخشوع التي تثمر أثمار الطاعة والخضوع، نعم لا يزال الحمير في مجدهم مارحين، ولا يخشى عليهم من السقوط والموت جوعا، كلا إن أراضي جبالنا الشامخة مخصبة غزيرة الخيرات والمراعي حول الإسطبلات العديدة، رحبة واسعة، لا أنكر أن بعض البغال الشموسة الحرونة تتعدى أحيانا على حقوقنا، وتحاول اهتضامها، وتزاحمنا على أعمال شتى، ولكن عددهم ليس بكثير لنرهبه، فنحن لا نحسب حسابا إلا للجمال الذين نخشى مزاحمتهم؛ فهم يحملون كل شيء، وكثيرا من كل شيء، وفي حالتهم الحاضرة يسلبوننا كثيرا من الأشغال التي تعود عليهم بالفوائد الجمة، فإن كنتم قد بليتم بالقوات الكهربائية والبخارية فنحن قد بلينا بالجمال الأقوياء الذين يفترون علينا دائما، ويهتضمون حقوقنا في كل مكان».
أحد البغال :
Página desconocida