يكره حراثة الأرض، وبناء المآوي، ويكره رعاية المواشي وصيد الوحوش، بل كان يكره كل عمل يستلزم السواعد والحركة الجسدية، ولما كان الرزق في ذلك العهد لا يأتي إلا بالعمل، كان لاويص يبيت أكثر لياليه خاوي الجوف فارغه، ففي ليلة من ليالي الصيف وأفراد تلك القبيلة ملتئمون
12
حول كوخ زعيمهم، يتحدثون بمآتي يومهم ويترقبون النعاس، انتصب
13
أحدهم فجأة وأشار نحو القمر، وصرخ بخوف قائلا: «انظروا نحو إله الليل فقد شحب وجهه،
14
واضمحل بهاؤه، وتحول إلى حجر أسود معلق بقبة السماء.» فشخص القوم بالقمر، ثم ضجوا صارخين، متهيبين، مرتعشين، خائفين، كأن أيدي الظلام قد قبضت على قلوبهم؛ لأنهم رأوا إله لياليهم يتحول ببطء إلى كرة قاتمة، وقد تغير لذلك وجه الأرض، وانحجبت البطاح والأودية وراء نقاب أسود، فتقدم إذ ذاك لاويص وكان قد شهد الخسوف والكسوف مرات عديدة في سابق حياته، فوقف في وسط الجماعة رافعا ذراعيه إلى العلاء، وبصوت أودعه كل ما في ذكائه من التصنع والاحتيال، صاح قائلا: «اسجدوا، اسجدوا وصلوا مبتهلين، وعفروا
15
وجوهكم في التراب، فإله الشر المظلم يصارع إله الليل المنير، فإذا غلبه متنا، وإذا غلب بقينا عائشين، اسجدوا وصلوا وعفروا وجوهكم في التراب، بل أغمضوا أجفانكم، ولا ترفعوا رءوسكم نحو السماء؛ لأن من يشاهد صراع إله النور وإله الشر، يفقد بصره ورشده، ويظل مجنونا وأعمى إلى نهاية أيامه، خروا
16
Página desconocida