بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الواحد القديم العزيز العليم، الذي أنعم على عباده المكلفين، وميزهم به من سائر المخلوقين، إيثارا منه سبحانه وتعالى لنيلهم منازل الثواب، والظفر بمراتبه في كريم المئاب، وجعله وصلة لهم الى ذلك أصلا وفرعا وعقلا وشرعا، ونصب عليه الدلائل الواضحات، والحج البينات، إزاحة لعللهم وغاية في الأنعام عليهم، حمد المستبصرين الذاكرين، وله الشكر على نعمة ابدا الآبدين، وصلى الله على سيد المرسلين وخاتم النبيين محمد والأئمة من آله الطاهرين وسلم تسليما.
اما بعد: فلو ساعدتنى الأقدار وأطاعني الإمكان والاختيار، لكنت مستسعدا بالزيارة (1) والإيلام (2)، والقبول والإلهام بالحضرة القضوية التقية الخالصية ادام الله أيامها ما دام الجديدان، وصرف عنها صرف الحدثان، إذ كانت عضدا للمؤمنين، وركنا من أركان الدين ومقرا للرئاسة والعدل ومحلا للنفاسة والفضل، ولما كنت غير قادر على ما قدمته ولا متمكن مما ذكرته، رأيت وضع كتاب ترتبته (3)
Página 17
مما يشتمل على أبواب الفقه: في الحلال والحرام والقضايا والأحكام ليكون مجددا لذكري عندها، وعوضا عن مثوبى بها، فوضعت هذا الكتاب لذلك وليكون عدة للإخوان، كثرهم الله في الرجوع اليه، للمعرفة بعباداتهم الشرعية وما عساه تلتبس عليهم في ذلك من المسائل الفقهية، ومن الله سبحانه أستمد المعونة والتأييد والتوفيق والتسديد وهو حسبي ونعم الوكيل.
فصل: اعلم ان الشرعيات على ضربين:
أحدهما: أعم في بلوى المكلف بها والأخر ليس كذلك.
فإما الأعم: فهو الصلاة وحقوق الأموال والصوم والحج والجهاد.
واما ما ليس كذلك فهو ما عدا هذه والجملة منها.
والضرب الأعم أيضا ينقسم الى ما هو أعم في البلوى من باقيه والى ما ليس كذلك وهو ما عداها من هذا الضرب وإذا كانت الشرعيات تنقسم الى ما ذكرناه، وكان الاولى تقديم ذكر الأعم على ما ليس كذلك وجب ان يقدم ذكر العبادات الخمس على جميع ما سواها من الشرعيات، وهذا بعينه يقتضي تقديم ذكر الصلاة على حقوق الأموال والصوم والحج والجهاد، وإذا وجب على ما ذكرناه تقديم ذكر الصلاة على الجميع، وكان إيقاعها لا يصح الا بالطهارة وجب تقديمها عليها، ونحن لذلك فاعلون بعون الله وحسن توفيقه.
كتاب الطهارة
قال الله تعالى يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤسكم وأرجلكم إلى الكعبين، وإن كنتم جنبا فاطهروا، وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء
Página 18
فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا (1).
وقال سبحانه إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين (2).
وقال الله تعالى يا أيها المدثر، قم فأنذر، وربك فكبر، وثيابك فطهر، والرجز فاهجر (3).
وإذا شرعنا في ذكر الطهارة فينبغي ان نبتدئ بذكر أشياء، منها: ما الطهارة ومنها ما به يفعل، ومنها أقسامها، ومنها مقدماتها، ومنها كيفياتها، ومنها ما يوجب إعادتها، ومنها ما يتبعها ويلحق بها.
فصل: في بيان الطهارة الشرعية:
هي استعمال الماء والصعيد على وجه يستباح به الصلاة أو تكون عبادة يختص بغيرها.
ما به يفعل الطهارة:
الذي يفعل به الطهارة شيئان: أحدهما بالماء، والأخر بالصعيد، ولما كان الصعيد انما يستعمل في حال الضرورة وعند عدم الماء أو فقد التمكن من استعماله وكانت الطهارة به بدلا من الطهارة بالماء وجب تقديم ذكر المياه عليه ونحن نقدم ذلك بمشيئة الله وعونه.
باب المياه وأحكامها:
قال الله تبارك وتعالى وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشيطان (4) وقال سبحانه وأنزلنا من السماء ماء طهورا . (5)
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقد سئل عن البحر، فقال: هو الطهور ماؤه، الحل
Página 19
ميتته [1] فكل ماء نزل من السماء، أو نبع من الأرض وكان مخزونا، أو ماء بحر أو على اى وجه كان فهو على أصل الطهارة ما لم تعلم فيه نجاسة.
وهو على ضربين: طاهر ليس بمطهر، وطاهر مطهر، فاما الطاهر الذي ليس بمطهر فهو جميع المياه المستخرجة والمعتصرة وكل ماء مضاف منها، مثل ماء الورد والآس والقرنفل [2] والريحان والخلاف [3] والزعفران وكل ما أشبه ذلك وجميع هذه المياه يجوز استعمالها في غير الطهارة فاما في الطهارة فلا يجوز ويلحق به في ذلك كلما خالطه جسم طاهر فسلبه إطلاق اسم الماء.
واما الطاهر المطهر، فهو كل ما استحق إطلاق اسم الماء ولم يكن نجسا، وهذا الماء، هو الذي يجب استعماله في الطهارة، ورفع الأحداث وازالة النجاسات عن الأبدان والثياب، ويجوز في غير ذلك من شرب وما سواه، فكل هذه المياه كما ذكرناه على أصل الطهارة، والحكم بذلك فيها مستمر حتى تعلم ملاقاة شيء من النجاسات لها.
وهي على ثلاثة أضرب: جار، وراكد ليس من مياه الآبار، ومياه الآبار.
فاما الجاري
فمحكوم بطهارته حتى يتغير أحد أوصافه التي: هي الريح واللون والطعم من نجاسة، فإذا صار كذلك حكم بنجاسته ولم يجز استعماله على وجه من الوجوه إلا في الشرب بمقدار ما يمسك الرمق عند الخوف من تلف النفس
واما الراكد الذي ليس من مياه الآبار
فهو على ضربين: أحدهما ان يكون مقداره كرا أو أكثر منه، والأخر ان يكون أقل من كر.
فاما ما كان مقداره كرا أو أكثر منه فليس ينجس بملاقاة شيء من ذلك له الا
Página 20
ان يتغير بذلك أحد أوصافه التي هي الريح واللون والطعم، فاذا حصل كذلك كان نجسا.
واما ما كان مقداره أقل من كر، فإنه ينجس بملاقاة ذلك له، تغير بذلك أحد أوصافه أو لم يتغير.
والكر هو ما كان مقدار الف رطل ومأتي رطل بالعراقي، أو ثلاثة أشبار ونصف طولا في مثل ذلك عرضا في مثل ذلك عمقا.
مياه الآبار
واما مياه الآبار فإنها تنجس بما يلاقيها من ذلك، قليلا كان ماؤها أو كثيرا، تغير بذلك أحد أوصافها أو لم يتغير، فاذا حصلت كذلك لم يجز استعمالها الا بعد تطهيرها، وتطهيرها ان يكون بالنزح منها، والنزح منها على ثلاثة أضرب:
أولها: نزح جميع الماء فان لم يتمكن من ذلك لكثرته وقوة مادته ونبعه تراوح عليه أربعة رجال يستقون منه من أول النهار الى آخره ثم يحكم بطهارته.
وثانيها: نزح كر.
وثالثها: نزح مقدار بالدلاء.
فاما ما ينزح جميع الماء على ما قدمناه، فهو وقوع شيء من الخمر فيها وكل شراب مسكر والفقاع، والمنى، ودم الحيض، والاستحاضة، والنفاس وعرق الإبل الجلالة وموت البعير فيها، وكل ما كان جسمه مقدار جسمه [1] أو أكثر. وذكر في ذلك عرق الجنب إذا كان جنبا من حرام وجميع ما كان نجسا ولم يرد في النزح منه مقدار معين.
واما ما ينزح منه كر فهو موت الخيل فيها، والبغال، والحمير، وكلما كان جسمه بمقدار أجسامهم.
Página 21
واما ما ينزح منه مقادير الدلاء فهو ثمانية اضرب:
أولها: سبعون، وثانيها: خمسون، وثالثها: أربعون، ورابعها: عشرة وخامسها: سبع، وسادسها: خمس، وسابعها: ثلاث، وثامنها: دلو واحد واما السبعون: فينزح من موت الإنسان فيها.
واما الخمسون: فينزح من وقوع الدم المخالف لدم الحيض والاستحاضة والنفاس إذا كان كثيرا فيها، والعذرة الرطبة والمتقطعة [1] واما الأربعون: فينزح إذا مات فيها شيء من الكلاب والخنازير والغنم والأرانب والثعالب والظباء والسنانير وكلما كان جسمه بمقدار أجسامها وبول الإنسان الكبير.
واما العشرة: فينزح من الدم المخالف للدماء الثلاثة المتقدم ذكرها إذا كان قليلا، أو العذرة اليابسة.
واما السبع: فينزح من موت الحمام فيها، والدجاج، وكلما كان جسمه بمقدار اجسامهما والكلب إذا وقع حيا وخرج حيا على ما وردت به الرواية (1)، والفأرة إذا تفسخت، والجنب إذا ارتمس فيها، وبول كل صبي أكل الطعام.
واما الخمسة: فينزح من ذرق الدجاج الجلالة خاصة.
واما الثلاثة: فينزح من موت الحية فيها، والوزغ، والعقرب، والفأرة التي لم تنفسخ.
واما الدلو الواحد: فينزح من موت العصافير فيها، والقنابر، والزرازير [2] وكلما كان جسمه بمقدار أجسامهم وبول كل صبي لم يأكل الطعام.
وماء البئر إذا تغير أحد أوصافه من النجاسة ينزح منه حتى يطيب، كثيرا كان
Página 22
النزح أو قليلا، ولا يعتبر فيه هاهنا بمقدار من النهار ولا بمن يستقى منه من الرجال.
والماء الذي في الدلو الأخير من دلاء النزح محكوم بنجاسته والباقي بعده من ماء البئر طاهر، والذي يقطر من الدلو نجس الا انه ما يتنجس به الباقي في البئر من الماء لأنه معفو عنه. والمعتبر في هذا الدلو، المعتاد، لا بما ذهب اليه قوم انه من دلاء هجر [1] أو بما يسع أربعين رطلا، لان الخبر في ذلك لم يرد مقيدا.
واعلم ان مياه الحياض والغدران والقلبان [2] وما جرى مجراها إذا تغير أحد أوصافها الثلاثة بنجاسة حكمنا بنجاستها على ما قدمناه، فاذا زال هذا التغير بغير الماء الطاهر المطهر من الأجسام الطاهرة التي تختلط به، أو بتصفيق الرياح له أو ما جرى مجرى ذلك، لم يحكم بطهارته وكان نجسا.
وإذا كان مقدار الماء أقل من كر وهو نجس فتمم بطاهر حتى صار كرا، أو كان طاهرا فتمم بنجس ولم يتغير أحد أوصافه التي هي الريح أو اللون أو الطعم، كان طاهرا، فان تغير بذلك أحد أوصافه كان نجسا، وكذلك الحكم فيه إذا كان هذا المقدار نجسا وتمم بنجس فصار كرا بالجميع، فإنه يحكم بطهارته ما لم يكن أحد أوصافه متغيرا بالنجاسة، لقولهم (صلوات الله عليهم): إذا بلغ الماء كرا لم يحمل خبثا [3] وقد كان الشيخ أبو جعفر الطوسي «ره» يذهب إلى نجاسة هذا الماء، ويقوى القول بما ذكرناه في كثير من الأوقات، وقد أشرنا إلى الوجه القوى لذلك في كتابنا الموسوم ب«جواهر الفقه» فمن أراد الوقوف عليه نظره في ذلك الموضع
Página 23
«الماء المضاف»
والماء الطاهر المضاف إذا اختلط بالطاهر المطهر وسلبه إطلاق اسم الماء لم يجز استعماله في رفع الأحداث ولا ازالة النجاسات، ويجوز استعماله في غير ذلك والماء النجس لا يجوز استعماله على كل حال إلا في الشرب خاصة عند الخوف من تلف النفس فإنه يجوز والحال هذه ان يشرب ما يمسك الرمق كما قدمناه وإذا اعجن به الدقيق وخبز، لم يجزأ كل شيء منه.
وإذا اختلط الطاهر المضاف بالطاهر المطهر ولم يسلبه إطلاق اسم الماء جاز استعماله في الطهارة وغيرها وإذا اختلط هذا الماء المضاف بالمطهر- وكان المطهر هو الأغلب والأكثر- جاز استعماله في رفع الأحداث وازالة النجاسات، وجاز استعماله فيما عدا ذلك.
فان لم يغلب أحدهما على الأخر، ولا زاد عليه، وكانا متساويين، فالأقوى عندي انه لا يجوز استعماله في رفع الحدث، ولا إزالة النجاسة، ويجوز في غير ذلك وقد كان الشيخ أبو جعفر الطوسي (ره) قال لي يوما في الدرس: هذا الماء يجوز استعماله في الطهارة وازالة النجاسة، فقلت له: ولم أجزت ذلك مع تساويهما فقال: إنما أجزت ذلك لان الأصل الإباحة.
فقلت: له الأصل وان كان هو الإباحة، فأنت تعلم ان المكلف مأخوذ بان لا يرفع الحدث ولا يزيل النجاسة عن بدنه أو ثوبه الا بالماء المطلق، فتقول أنت:
بأن هذا الماء مطلق؟ فقال: ا فتقول أنت بأنه غير مطلق؟
فقلت له: أنت تعلم ان الواجب ان تجيبني عما سألتك عنه قبل ان تسألني ب«لا» أو «نعم» ثم تسألني عما أردت، ثم اننى أقول: بأنه غير مطلق.
فقال: الست تقول فيها إذا اختلطا وكان الأغلب والأكثر المطلق، فهما مع التساوي كذلك؟
فقلت له: انما أقول بأنه مطلق إذا كان المطلق هو الأكثر والأغلب لأن ما
Página 24
ليس بمطلق لم يؤثر في إطلاق اسم الماء عليه، ومع التساوي قد أثر في إطلاق هذا الاسم عليه فلا أقول فيه بأنه مطلق، ولهذا لم تقل أنت بأنه مطلق، وقلت فيه بذلك إذا كان المطلق هو الأكثر والأغلب، ثم ان دليل الاحتياط تناول ما ذكرته، فعاد الى الدرس ولم يذكر في ذلك شيئا.
«أسئار الحيوان»
وأسئار الحيوان هي فضلة ما شربوا منه واستعملوه وماسوه بأجسامهم وهي على ثلاثة أضرب:
أولها: يجوز استعماله على كل حال. وثانيها: مكروه. وثالثها: لا يجوز استعماله على حال.
فإما الأول: فهو سؤر كل ما أكل لحمه من حيوان البر والبحر لا ما كان جلالا وكل ما ليس بنجس من حيوان البر كان مما لا يؤكل لحمه واما المكروه: فهو سؤر الجنب والحائض والبهائم والسباع الا الكلاب والخنازير، وسؤر الطيور الا ما كان جلالا أو مما يأكل الجيف، أو يكون على منقاره اثر الدم، والسنور، والفأرة، والخيل، والبغال والحمير.
واما الذي لا يجوز استعماله على حال: فهو سؤر كل ما لا يؤكل لحمه من غير الناس والطيور الا ما ذكرناه فيما تقدم وسؤر كل ما كان نجسا من الناس والكلاب والخنازير.
واعلم ان حكم المائعات المخالفة للماء المطلق إذا شرب منها شيء مما تقدم ذكره أو استعمله أو ماسة بجسمه كالحكم السالف ذكره في الأقسام الثلاثة.
وكلما ذكرناه انه لا يجوز استعمال سؤره إذا ماس جسمه مائعا ثم جمد كالماء الذي
Página 25
يمسه ثم يصير ثلجا، أو جليدا [1] فإنه لا يجوز استعماله على حال وان غسل.
فإن ماسة وهو ثلج أو جليد لم يجز استعماله الا بعد غسله وكذلك الحكم فيما خالف الماء من المائعات.
وليس ينجس الماء مما يقع فيه من الحيوان الا ان تكون له نفس سائلة، واما ما يقع فيه مما ليس له نفس سائلة- غير العقرب والوزغ- فإنه لا ينجسه، فذلك كالخنافس وبنات وردان [2] والجراد وما أشبه ذلك ويجوز استعماله على كل حال الا ان يسلبه إطلاق اسم الماء، فان سلبه ذلك لم يجز استعماله في الطهارة وجاز استعماله في ما عدا ذلك، والبول والروث مما يؤكل لحمه إذا وقع في الماء لم ينجسه قليلا كان أو كثيرا ويجوز استعماله على كل حال الا ان يسلبه إطلاق اسم الماء عليه، فاذا سلبه ذلك لم يجز استعماله في الطهارات وجاز استعماله فيما عداها، وما يكره أكل لحمه فمكروه استعمال ما وقع فيه بوله أو روثه من الماء، والكراهة في ذلك تزيد وتنقص بحسب زيادتها ونقصها في أكل لحم ذلك.
مثال ما ذكرناه: ان كراهة أكل لحم الحمار أغلظ من كراهة أكل لحم البغال وكراهة أكل لحم البغال أغلظ من كراهة أكل لحم الفرس، والكراهة فيما ذكرناه في أكل هذه اللحوم.
«ماء المطر»
وماء المطر إذا كان نازلا من السماء فحكمه حكم ماء الجاري، يجوز استعماله على كل حال فان انقطع واستقر منه شيء في موضع من الأرض ولاقته نجاسة اعتبر فيه بالقلة والكثرة والتغيير وكان الحكم فيه بحسب ذلك. وطين المطر محكوم إلى ثلاثة أيام بالطهارة الا ان يعلم ملاقاة شيء من النجاسة له فإنه يحكم بنجاسته
Página 26
«ماء الحمام»
وماء الحمام حكمه حكم الماء الجاري إذا كانت له مادة ويجوز استعماله على كل حال.
فان انقطعت مادته من المجرى ولم تلاقه نجاسة فاستعماله جائز على كل حال فان لاقته نجاسة كان الاعتبار بالقلة والكثرة والتغير ويحكم فيه بحسب ذلك على ما قدمناه.
«البئر القريب من البالوعة»
والأرض التي فيها البئر إذا كانت سهلة وكانت بالقرب من البئر، بالوعة وكانت البئر تحت البالوعة فيستحب ان يكون بينهما مقدار سبع اذرع.
وان كانت الأرض حزنة [1] وكانت البئر فوق البالوعة فيستحب ان يكون بينهما خمس اذرع.
وجميع مياه العيون الحمية مكروه استعمالها والتداوي بها، وكذلك يكره استعمال الماء المسخن بالشمس في الطهارة فاما المسخن بالنار فليس بمكروه
«الماء النجس»
والماء النجس إذا تطهر به مكلف ثم صلى فلا يخلو من ان يكون تقدم له العلم بنجاسته، أو لم يتقدم له العلم بذلك. فان كان العلم قد تقدم له بذلك كان عليه إعادة الطهارة والصلاة، ان كان قد صلى بهذه الطهارة سواء كان مع تقدم العلم له بذلك وقد نسيه ثم ذكره أو لم يكن كذلك. فان لم يكن قد تقدم العلم له بذلك فلا يخلو من ان يكون الوقت باقيا أو غير باق، فان كان باقيا كان عليه إعادة الطهارة والصلاة وان لم يكن باقيا لم يكن عليه شيء وعليه مع هذه الوجوه غسل ما اصابه هذا الماء من جسده أو ثيابه.
Página 27
«الأواني وفروعها»
والأواني إذا كانت من خشب أو فخار [1] أو رصاص أو زجاج أو نحاس أو حديد وكانت طاهرة فإنه يجوز استعمالها في الماء للطهارة وغيرها، وما كان منها ينشف الماء مثل الخشب والفخار الذي لم يقصر وكان آنية لأحد من الكفار فإنه لا يجوز استعماله في الماء غسل أو لم يغسل.
وكذلك ما استعمل منها في الخمر والمسكر وقد ورد جواز استعمال ذلك إذا غسل سبع مرات [2] والاحتياط يتناول ما ذكرناه.
وأواني الذهب والفضة لا يجوز استعمالها في الماء ولا في غيره للطهارة ولا غيرها، فان تطهر المكلف منها، أو أكل فيها، أو شرب منها، كانت طهارته صحيحة ولم يحرم المأكول والمشروب عليه. لان الحظر انما يتناول استعمالها وذلك لا يتعدى الى ما هو فيها.
والإناء المفضض إذا كان فيه موضع غير مفضض جاز الشرب من ذلك الموضع دون غيره من المفضض.
وكل ما استعمله من الكفار- على اختلافهم في الكفر- من الأواني والأوعية في المائعات إذا كانت مخالفة للاوانى والأوعية التي تقدم ذكر استعمالهم لها، أو باشروه بأجسامهم فلا يجوز استعمال شيء منها الى بعد غسله ثلاث مرات.
وإذا شرب الكلب أو الخنزير في شيء من الأوعية أو الأواني، فلا يجوز استعمال ذلك حتى يهرق ما فيه من الماء، ويغسل ثلاث مرات، الاولى بالتراب.
Página 28
وليس يعتبر التراب في غسل شيء مما ذكرناه إلا في ولوغ الكلب والخنزير- لأنه يسمى كلبا.
وإذا ولغ في الإناء من الكلاب أكثر من واحد فلا يجب تكرار الغسل له بعدد ما ولغ فيه منها، بل يكفى غسله دفعة واحدة ثلاث مرات كما ذكرناه [1]. وكذلك الحكم فيه إذا تكرر ولوغ الكلب الواحد.
وإذا غسل الإناء من ولوغ الكلب المرة الاولى والثانية ووقع فيه نجاسة لم يجب استئناف الغسل له من اوله بل يبنى على ما تقدم ويتمم العدد لأن النجاسة بعد حاصلة والمراعى في الحكم بطهارته بالمرة الثالثة.
وإذا وقع الإناء الذي ولغ فيه الكلب في ماء يكون أقل من كر قبل غسله كان الماء الذي وقع فيه، نجسا ولم يجز استعماله. وإذا أصاب شيء من الماء الذي يغسل به هذا الإناء جسد الإنسان أو ثوبه فالأحوط غسله.
وإذا وقع الإناء الذي ولغ فيه الكلب في ماء جار وجرى عليه لم يحكم بطهارته لأنه لم يغسل الغسل المحكوم بطهارته معه.
«العلم الإجمالي في الأواني»
ومن كان معه إناء آن في أحدهما ماء طاهر وفي الأخر ماء النجس ولم يعلم الطاهر منهما لم يجز استعمال واحد منهما على حال الا للشرب في حال الضرورة.
وإذا كان معه إناءان، في أحدهما ماء طاهر وفي الأخر ماء مستعمل في الطهارة الصغرى، جاز استعمال اى منهما شاء، وإذا كان في أحدهما ماء استعمل في الطهارة الصغرى وفي الأخر ماء استعمل في الطهارة الكبرى استعمل في الطهارة أيهما أراد، وان كان في الواحد منهما ماء مستعمل في الطهارة الكبرى ولم يعلم
Página 29
المستعمل منهما في الطهارة الكبرى من الأخر فالأحوط أن يستعمل كل واحد منهما وإذا كان معه إناءان، يعلم ان ماء أحدهما طاهر وماء الأخر نجس ثم نسي ذلك ولم يتميز له كل واحد منهما من الأخر، وأخبره عدل بان النجس واحد عينه لم يلزمه القبول منه ولم يجز له استعمال واحد منهما لأن النجاسة في أحدهما متيقنة.
وإذا وجد ماء فأعلمه غيره بأنه نجس لم يلزمه القبول منه وجاز له استعماله لان الماء على أصل الطهارة ما لم يعلم ملاقاة شيء من النجاسات له.
ومن كان معه إناءان، يعلم طهارتهما فشهد شاهدان بان واحدا منهما معينا نجس أو كان يعلم نجاستهما فشهد شاهدان بان واحدا منهما معينا طاهر لم يجب عليه القبول منهما، بل يعمل على الأصل الذي كان متيقنا بحصول الماء عليه.
وإذا كان معه إناء فيه ماء تيقن نجاسته وشك في طهارته، أو كان تيقن طهارته فشك في نجاسته، لم يلتفت الى شكه في شيء منهما وكان عمله على ما كان متيقنا له من ذلك.
وإذا كان معه ثلاثة أواني، اثنان منها يشتبهان عليه في نجاسة أو طهارة والأخر متيقن طهارته، كان عليه ان يستعمل الذي يتيقن طهارته دون المشتبه عليه وإذا كان معه إناء كانت فيه نجاسة وشك في تطهيره لم يجز استعماله حتى يطهره.
وإذا حضر عند ماء متغير اللون أو الطعم أو الرائحة وشك في ان هذا التغير من نجاسة أو من أصل الماء، جاز استعماله ولم يلزمه في شكه شيء لان الماء على أصل الطهارة حتى يعلم حصول نجاسة فيه.
أحكام الجلود
ولا يجوز استعمال شيء من جلود الميتة ولا الانتفاع به، دبغ أم لا ولا فرق في ذلك بين ان يكون مما يؤكل لحمه أو مما لا يؤكل لحمه.
ولا يجوز التصرف في شيء من ذلك على حال وكل ما ذكي وكان مما
Página 30
لا يؤكل لحمه وليس هو من الكلاب والخنازير فإنه يجوز الانتفاع بجلده بعد الدباغ فاما جلود الكلاب والخنازير فإنه لا يجوز ذلك فيها وان ذكيت ودبغت وكذلك لا يجوز الانتفاع بشيء من شعر ذلك إذا جز في حياته أو بعد موته.
وشعر وصوف الميتة التي ليست كلبا ولا خنزيرا طاهر يجوز استعماله وكذا شعر الإنسان في حياته وبعد موته. وقد ذكر ان ذلك نجس، والاحتياط يتناول ذلك والدباغ يجب ان يكون بطاهر مثل قشور الرمان والعفص [1] والقرظ [2] وما أشبه ذلك، ولا يجوز مما يكون نجسا كالحارش [3] فإنه يعمل بخرء الكلاب.
باب الصعيد وما يجوز التيمم به وما لا يجوز
قال الله تعالى:. فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا (1). الاية.
فالصعيد هي: ما يتصاعد على وجه الأرض من تراب أو غبار وهو على ثلاثة أضرب:
أولها يجوز التيمم به على كل حال والثاني مكروه والثالث ما لا يجوز التيمم به على حال.
فاما الذي يجوز التيمم به على كل حال فهو كل طاهر من هذا الصعيد والأرض الحصية (2) والحجر، والصخر، والوحل إذا وضع الإنسان يديه عليه ومسح
Página 31
إحداهما بالأخرى حتى ينشف وذلك لا يكون الا مع عدم التمكن من التراب أو ما يقوم مقامه.
وكل ما كان من التراب في عوالي الأرض كان استعماله أفضل من استعمال ما كان منه في مهابطها.
ومن لم يتمكن من شيء مما ذكرناه فلينفض ثوبه، أو عرف دابته [1]، أو لبد سرجه، أو ما جرى مجرى ذلك مما يكون فيه غبار وتيمم به.
واما المكروه فهو تراب الأرض السبخة والرملة.
واما الذي لا يجوز التيمم به فهو كل ما يختص بمعدن من كحل أو زرنيخ أو زاج [2] أو ما يجرى مجرى ذلك، وكل ما لا يطلق عليه اسم الأرض من دقيق أو أشنان [3] أو سدر وما جرى مجرى ذلك في نعومته أو انسحاقه [4] وكل ما كان نجسا مما قدمنا ذكر جواز التيمم به.
باب أقسام الطهارة
الطهارة على ثلاثة أقسام: وضوء وغسل وتيمم
والوضوء: على قسمين:
واجب ومندوب: فاما الواجب فهو ما يقصد به رفع الحدث لاستباحة الصلاة به، واما المندوب فهو ما يقصد به مس المصحف أو كتابته أو ما جرى مجرى ذلك
الغسل
واما الغسل: فهو على ضربين: واجب ومندوب.
Página 32
فاما الواجب فهو الغسل من خروج المنى على كل حال، والجماع في الفرج- انزل المجامع أو لم ينزل- والحيض، والاستحاضة، والنفاس، ومس الميت من الناس بعد برده بالموت وقبل غسله، وغسل الموتى من الناس.
واما المندوب فهو على أربعة أضرب: أو لها يتعلق بازمنة مخصوصة، وثانيها يتعلق بأمكنة شريفة، وثالثها يتعلق بعبادة معينة، ورابعها قسم مفرد عن ذلك.
فاما الأزمنة المخصوصة في يوم الجمعة، ويوم العرفة، ويوم العيد فطرأ كان أو أضحى أو غديرا، وليلة النصف من شعبان، وأول ليلة من شهر رمضان، وليلة النصف منه، وليلة سبع عشرة منه، وليلة احدى وعشرين منه، وليلة ثلاث وعشرين منه.
واما الأمكنة الشريفة فهي: الحرم، والمسجد الحرام، والكعبة، ومدينة النبي (صلى الله عليه وآله) واما العبادات المعينة فهي: الإحرام للحج والعمرة، والزيارات لنبي كانت أو إمام (عليه السلام)، أو البيت الحرام، والمباهلة، والتوبة، وصلاة الاستسقاء، وصلاة الاستخارة وصلاة الحاجة، وصلاة الشكر، والإسلام من الكفر، وقضاء صلاة الكسوف إذا تعمد قاضيها تركها مع احتراق جميع القرص.
واما الضرب المفرد فهو غسل المولود، وغسل القاصد الى نظر المصلوب بعد ثلاثة أيام.
«التيمم»
واما التيمم فهو على ضربين: أحدهما بدل عن الوضوء، والأخر بدل عن الغسل. فأما الذي هو بدل من الوضوء فهو ضربة واحدة على ما تيمم به المتيمم لوجهه أو (1) يديه.
واما الذي هو بدل من الغسل فهو ضربتان إحداهما للوجه والأخرى لليدين.
Página 33
«باب الجنابة»
الجنابة تكون بأمرين أحدهما: إنزال المنى على كل حال. والأخر: الجماع في الفرج وان لم ينزل المجامع.
التقاء الختانين: غيبوبة الحشفة في الفرج. فاذا صار المكلف جنبا بأحد هذين الأمرين، كان عليه الغسل- وسنذكر كيفيته في باب كيفيات الطهارة- ولا يدخل المسجد الحرام، ولا مسجد النبي (صلى الله عليه وآله) جملة، فاما غير ذلك من المساجد. فيجوز له دخولها عابر سبيل من غير جلوس فيها واستقرار بها، فان كان له فيها شيء جاز له أخذه منها، ولا يضع فيها شيئا ولا يقرء شيئا من العزائم الأربع جملة- وهي سجدة لقمان، وحم السجدة، والنجم، واقراء باسم ربك (1) فاما غير ذلك من القرآن فلا يجوز ان يقرأ منه أكثر من سبع آيات والأفضل ترك ذلك، ولا يمس كتابة المصحف، ويجوز ان يمس أطراف الورق والأفضل ان لا يمسه ولا يمس شيئا عليه اسم الله تعالى أو أحد الأنبياء والأئمة (عليهم السلام) مكتوبا، ولا يطوف بالبيت، ولا يسجد إذا سمع من يقرء السجدة، ولا يأكل ولا يشرب ولا ينام حتى يغتسل ويتمضمض ويستنشق، ولا يختضب حتى يغتسل.
«باب الحيض»
الحيض: هو دم اسود يخرج من المرية بحرارة على وجه يتعلق بظهوره وانقطاعه- على الخلاف في ذلك- انقضاء عدة المطلقات، وأقل الحيض ثلاثة أيام، وأكثره عشرة أيام، وأقل الطهر عشرة أيام وليس لأكثره حد.
فإن رأت الحائض الدم ثلاثة أيام متوالية أو مفترقة (2) في جملة العشرة فهي حائض، وفي أصحابنا من اعتبر كونها متوالية، فإن رأت الدم يوما واحدا أو يومين
Página 34
وانقطع عنها الى آخر اليوم العاشر فليس ذلك حيضا، وإذا رأته بعد العشرة أيام كان استحاضة.
فإن رأته اليوم الرابع بعد انقضاء هذه العشرة كان حيضا الا ان ترى يوما واحدا أو يومين وينقطع فلا تراه حتى تنقضي العشرة فلا يحكم بأنه حيض وانما قلنا بأنه حيض لأن أقل أيام الطهر وهو عشرة قد انقضت فيكون هذا الدم من الحيضة المستأنفة، فإن رأت الدم بعد ان يكمل أكثر أيام الحيض ويستمر ذلك بها ولا ترى بين الدمين طهرا فإنه ليس بحيض فيجب الحكم بأنه استحاضة- وسنذكر حكم الاستحاضة في بابها بعون الله سبحانه.
والحمرة والصفرة في أيام الحيض حيض، وفي أيام الطهر غير حيض.
وإذا اختلفت عادة المرية اعتبرت صفات الدم بعد ان يعتبر بين الدمين أقل الطهر وهو عشرة أيام، فان لم يتميز لها صفات الدم تركت الصوم والصلاة في الشهر الأول أقل أيام الحيض، وفي الشهر الثاني أكثر أيامه.
وتستقر عادة المرية بأن ترى الدم شهرين متواليين في وقت متفق، فتعمل حينئذ في عادتها على ذلك.
وإذا التبس على المرية دم الحيض بدم العذرة، استبرأت نفسها بقطنة، فإن خرجت مطوقة فهو دم عذرة، وان خرجت منغمسة فهو حيض.
فان التبس بدم القرح استدخلت المرأة إصبعها، فإن كان الدم يخرج من الجانب الأيسر فهو دم حيض وان كان يخرج من الأيمن فهو دم قرح.
وإذا انقطع الدم عن المرية وأرادت ان تعلم هل هي بعد، حائض أو قد طهرت فتستدخل قطنة، فان خرجت وعليها دم فهي حائض لم تطهر، وان لم تخرج عليها شيء فقد طهرت.
وإذا كانت المرأة حائضا فكل ما ذكرناه مما يتعلق بالجنب من الأحكام يتعلق بها ويلحق بذلك ان لا تصوم ولا تصلى وهي كذلك، وإذا وطأها زوجها كفر عن ذلك
Página 35
وسنذكر ما يلزمه من الكفارة في باب الكفارات.
فاذا حضر وقت الصلاة توضأت وجلست في مصلاها تذكر الله تعالى وتسبحه وتمجده الى ان ينقضي وقت الصلاة.
وإذا اغتسلت قضت الصوم دون الصلاة وإذا رأت الدم وقد دخل وقت الصلاة ومضى من هذا الوقت مقدار ما يمكنها أداء تلك الصلاة ولم تكن صلت كان عليها قضائها. وان رأت الدم قبل ذلك تجب [1] عليها القضاء.
فاذا طهرت وتوانت عن الغسل وكان قد دخل عليها الوقت ولم تغتسل حتى خرج الوقت كان عليها القضاء.
وإذا طهرت عند زوال الشمس ولم تغتسل حتى دخل وقت العصر وجب عليها قضاء الصلاتين.
وإذا طهرت قبل مغيب الشمس بمقدار ما يؤدى فيه خمس ركعات استحب لها قضائهما، وان كان مقدار ما يؤدى فيه اربع ركعات، كانت عليها قضاء صلاة العصر وإذا طهرت بعد مغيب الشمس الى نصف الليل وجب عليها قضاء العشائين وإذا طهرت قبل طلوع الفجر بمقدار ما تؤدى خمس ركعات استحب لها قضائهما، وان لم يكن في الوقت أكثر من ان تصلى فيه اربع ركعات، كان عليها قضاء العشاء الأخير فقط وكان عليها قضاء الفجر إذا طهرت قبل طلوع الشمس بمقدار ما يؤدى فيه ركعة، فإن كان أقل من ذلك لم يلزمها شيء.
فاذا حاضت في يوم تصبح فيه صائمة أفطرت وكان عليها قضاء ذلك اليوم ولو كان قد حاضت قبل مغيب الشمس بلحظة، وإذا رأت الدم بعد العصر أمسكت بقية يومها عن الإفطار وكان عليها القضاء، وإذا أصبحت حائضا وطهرت أمسكت باقي النهار وكان عليها القضاء.
وإذا رأت الطهر وجب عليها الغسل- وسنذكر كيفيته في موضع مفرد من
Página 36