التصرف فيه بالموت ثم رخص بالانتفاع فيه فبقي ما سوى الانتفاع على التحريم وقال في الجديد: يجوز لأنه منع بيعه لنجاسته وقد زالت النجاسة فوجب أن يجوز البيع كالخمر إذا تخللت وهل يجوز أكله؟ ينظر فإن كان من حيوان يؤكل ففيه قولان: قال في القديم: لا يؤكل لقوله ﷺ "إنما حرم من الميتة أكلها١" وقال في الجديد: يؤكل لأنه جلد طاهر من حيوان مأكول فأشبه جلد المذكى وإن كان من حيوان لم يؤكل لم يحل أكله لأن الدباغ ليس بأقوى من الذكاة والذكاة لا تبيح ما لا يؤكل لحمه فلأن لا يبيحه الدباغ أولى وحكى شيخنا أبو حاتم القزويني عن القاضي أبي القاسم بن كنج أنه حكى وجهًا آخر أنه يحل لأن الدباغ عمل في تطهيره كما عمل في تطهير ما يؤكل فعمل في إباحته بخلاف الذكاة.
فصل: كل حيوان نجس بالموت نجس شعره وصوفه على المنصوص وروي عن الشافعي ﵀ أنه رجع عن تنجيس شعر الآدمي واختلف أصحابنا في ذلك على ثلاث طرق: فمنهم من لم يثبت هذه الرواية وقال ينجس الشعر بالموت قولًا واحدًا لأنه جزء متصل بالحيوان اتصال خلقة فينجس بالموت كالأعضاء ومنهم من جعل الرجوع عن تنجيس شعر الآدمي رجوعًا عن تنجيس جميع الشعور فجعل في الشعور قولين أحدهما: ينجس لما ذكرناه والثاني: لا ينجس لأنه لا يحس ولا يتألم فلا تلحقه نجاسة الموت ومنهم من جعل هذه الرواية رجوعًا عن تنجيس شعر الآدمي خاصة فجعل في الشعور قولين أحدهما: ينجس الجميع لما ذكرناه والثاني: ينجس الجميع إلا شعر الآدمي فإنه لا ينجس لأنه منصوص بالكرام ولهذا يحل لبنه مع تحريم أكله.
وأما شعر رسول الله ﷺ فإذا قلنا إن شعر غيره طاهر فشعره ﷺ أولى بالطهارة وإذا قلنا إن شعر غيره نجس ففي شعره ﵊ وجهان: أحدهما: أنه نجس لأن ما كان نجسًا من غيره كان نجسًا منه كالدم وقال أبو جعفر الترمذي: هو طاهر لأن النبي ﷺ ناول أبا طلحة شعره فقسمه بين الناس وكل موضع قلنا إنه نجس عفى عن الشعرة والشعرتين في الماء والثوب لأنه لا يمكن الاحتراز منه فعفى عنه كما عفي عن دم البراغيث فإن دبغ جلد الميتة وعيه شعر فقد قال في الأم: لا يطهر لأن الدباغ لا يؤثر في تطهيره وروى الربيع بن سليمان الجيزي عنه أنه يطهر لأنه شعر نابت على جلد
_________
١ رواه البخاري في كتاب الزكاة باب ٦١. مسلم في كتاب الحيض حديث ١٠٠ أبو داود في كتاب اللباس باب ٣٨. الدارمي في كتاب الأضاحي باب ٢٠. الموطأ في كتاب الضير حديث ١٦.
1 / 28