ذكر بعض أحوال١. أئمتهم قال: وكل شرك في العالم إنما حدث برأي جنسهم فهم الآمرون بالشرك والفاعلون له، ومن لم يأمر منهم بالشرك فلم ينه عنه، بل يقر هؤلاء وهؤلاء. وإن رجح الموحدين ترجيحا ما فقد يرجح غيره المشركين. وقد يعرض عن الأمرين جميعا. فتدبر هذا فإنه نافع جدا. ولهذا كان رؤوسهم المتقدمون والمتأخرون يأمرون بالشرك. وكذلك الذين كانوا في ملة الإسلام لا ينهون عن الشرك ويوجبون التوحيد. بل يسوغون الشرك أو يأمرون به. أو لا يوجبون التوحيد؛ وقد رأيت من مصنفاتهم في عبادة الملائكة وعبادة الأنفس المفارقة، أنفس الأنبياء وغيرهم، ما هو أصل الشرك. وهم إذا ادعوا التوحيد فإنما توحيدهم بالقول لا بالعبادة والعمل. والتوحيد الذي جاءت به الرسل لا بد فيه من التوحيد بإخلاص الدين لله وعبادته وحده لا شريك له وهذا شيء لا يعرفونه. فلو كانوا موحدين بالقول والكلام لكان معهم التوحيد دون العمل، وذلك لا يكفي في السعادة والنجاة، بل لا بد من أن يعبد الله وحده ويتخذ إلها دون ما سواه، وهذا هو معنى قول لا إله إلا الله. انتهى كلام الشيخ ٢.
فتأمل رحمك الله هذا الكلام فإنه مثل ما قال الشيخ فيه، نافع جدا، ومن أكبر ما فيه من الفوائد أنه يبين حال من أقر بهذا الدين وشهد أنه الحق وأن الشرك هو الباطل وقال بلسانه ما أريد منه، ولكن لا يدين بذلك إما بغضا له، أو عدم محبته كما هي حال المنافقين الذين بين أظهرنا، وإما إيثارا للدنيا
_________
١ كذا في جميع ما لدينا من النسخ الخطية ووقع في روضة الأفكار والأفهام لابن غنام (أحوال بعض أئمتهم) .
٢ في نقض المنطق صفحة ١٧٧ طبعة مطبعة للسنة المحمدية.
1 / 299