ثم قال الشيخ يعني ابن القيم ١ رحمه الله تعالى بعد ذكر الشرك الأكبر والأصغر: ومن أنواع هذا الشرك سجود المريد٢ للشيخ، ومن أنواعه التوبة للشيخ؛ فإنها شرك عظيم. ومن أنواعه النذر لغير الله، والتوكل على غير الله، والعمل لغير الله، والإنابة والخضوع والذل لغير الله، وابتغاء الرزق من عند غيره، وإضافة نعمه إلى غير. هـ ومن أنواعه طلب الحوائج من الموتى، والاستغاثة بهم، والتوجه إليهم. وهذا أصل شرك العالم. فإن الميت قد انقطع عمله، وهو لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا، فضلا لمن استغاث به أو سأله أن يشفع له إلى الله، وهذا من جهله بالشافع والمشفوع عنده؛ فإن الله تعالى لا يشفع عنده أحد إلا بإذنه، والله لم يجعل سؤال غيره سببا لإذنه، وإنما السبب لإذنه كمال التوحيد، فجاء هذا المشرك بسبب يمنع الإذن. والميت محتاج إلى من يدعو له كما أوصانا النبي ﷺ إذا زرنا قبور المسلمين أن نترحم عليهم ونسأل الله لهم العافية والمغفرة.
فعكس المشركون هذا، وزاروهم زيارة العبادة، وجعلوا قبورهم أوثانا تعبد، فجمعوا بين الشرك بالمعبود وتغيير دينه ومعاداة أهل التوحيد ونسبتهم إلى تنقص الأموات، وهم قد تنقصوا الخالق بالشرك وأولياءه المؤمنين بذمهم ومعاداتهم، وتنقصوا من أشركوا به غاية التنقص إذ ظنوا أنهم راضون منهم بهذا، أو أنهم أمروهم به. وهؤلاء أعداء الرسل في كل زمان ومكان وما أكثر المستجيبين لهم! ولله در خليله إبراهيم ﵇ حيث يقول: ﴿وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ
_________
١ عبارة "يعني ابن القيم" من نسخة الشيخ محمد بن عبد اللطيف آل الشيخ ﵀.
٢ لفظ "سجود المريد" ورد هكذا في روضة الأفكار والأفهام لابن غنام وأكثر النسخ الخطية ومدارج السالكين.
1 / 296