[٢] وَعَن عَلِيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: لاَ تَكذِبُوا عَلَيَّ؛ فَإِنَّهُ مَن يَكذِب عَلَيَّ يَلِجِ النَّارَ.
ــ
و(قوله: لاَ تَكذِبُوا عَلَيَّ؛ فَإِنَّهُ مَن يَكذِب عَلَيَّ يَلِجِ النَّارَ) أي: يدخلها، وماضيه: وَلَجَ، ومصدره: الوُلُوج؛ ومنه قوله تعالى: يُولِجُ اللَّيلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيلِ.
وصَدرُ هذا الحديث نهيٌ، وعجزه وعيدٌ شديد، وهو عامٌّ في كلِّ كاذبٍ على رسول الله ﷺ، ومطلقٌ في أنواعِ الكذب.
ولمَّا كان كذلك، هابَ قومٌ من السلف الحديثَ عن رسولِ الله ﷺ كعمر، والزبير بن العَوَّام، وأنس بن مالك، وابن هرمز ﵃ أجمعين -؛ فإن هؤلاء سمعوا كثيرًا وحدَّثوا قليلًا؛ كما قد صرَّح الزبير - رضي الله تعالى عنه - بذلك؛ لمّا قال له ابنه عبد الله ﵁: إني لا أَسمَعُكَ تحدِّثُ عن رسول اللهِ ﷺ كما يُحَدِّثُ فلانٌ وفلان؟ فقال: أَمَا إنِّي لم أكن أفارقهُ، ولكني سمعته يقول: مَن كَذَبَ عليَّ، فليتبوَّأ مقعدَهُ من النار (١). وقال أنس: إنَّه يمنعني أن أحدِّثَكُم حديثًا كثيرًا أنَّ رسولَ الله ﷺ قال: من كَذَبَ عليَّ. . (٢) الحديث.
ومنهم: مَن سَمِعَ وسكت؛ كعبد الملك بن إياس، وكأنَّ هؤلاءِ تخوَّفوا مِنُ إكثار الحديث الوقوعَ في الكذب والغلط؛ فقلَّلوا، أو سَكَتوا.
غير أنَّ الجمهور: خصَّصوا عموم هذا الحديث، وقيَّدوا مطلقَهُ بالأحاديث التي ذُكِرَ فيها: متعمِّدًا؛ فإنَّهُ يُفهَمُ منها أنَّ ذلك الوعيدَ الشديدَ إنما يتوجَّه لمن تعمَّد الكذبَ على رسول اللهِ ﷺ؛ وهذه الطريقة هي المرضيَّة؛ فإنَّها تجمعُ بين مختلفاتِ الأحاديث؛ إذ هي تخصيصُ العموم، وحملُ المطلق على المقيَّدِ مع اتحادِ المُوجِب والمُوجَب، كما قرَّرناه في الأصول.
هذا مع أنَّ القاعدةَ الشرعيَّةَ القطعيَّةَ تقتضي أنَّ المخطئ والناسي غيرُ آثمَينِ ولا مؤاخَذينِ، لا سيَّما بعد التحرُّز والحذر.