وفي صبيحة هذا اليوم أذاعت السفارة البريطانية في الصحف ما يأتي:
قرر الوفد البريطاني للمفاوضات بموافقة دولة إسماعيل صدقي باشا أن يصدر بيانا عن السياسة البريطانية في هذه المفاوضات، التي كثرت التكهنات حولها في الآونة الأخيرة، وفيما يلي نص البيان: «إن السياسة المقررة لحكومة صاحب الجلالة في المملكة المتحدة (بريطانيا)، هي توطيد محالفتها مع مصر على أساس المساواة بين أمتين تجمع بينهما مصالح مشتركة.
وعملا بهذه السياسة بدأت المفاوضات في جو من المودة وحسن النية، فعرضت الحكومة البريطانية أن تسحب جميع قواتها البحرية والبرية والجوية من الأراضي المصرية، وأن يتقرر بالمفاوضات تحديد مراحل جلائها، والموعد الذي يتم فيه والتدابير التي تتخذها الحكومة المصرية لتحقيق التعاون في حالة الحرب، أو خطر حرب وشيك الوقوع طبقا للمحالفة.»
هذا هو البيان الذي صرحت به الحكومة البريطانية على لسان وفدها، وهو أول بيان من نوعه، ويدلك على أهميته وخطره أنه لم يقابل من حزب المحافظين البريطانيين، وعلى رأسهم مستر تشرشل بالارتياح، وأذكر أنه وقف في مجلس العموم معترضا عليه كل الاعتراض عندما ألقاه مستر آتلي، فقد نهض في اهتمام قائلا: «إن هذا البيان خطير الشأن، وهو من أخطر ما ألقي في هذا المجلس من بيانات ... إذ يعرض على مصر سحب جميع قواتنا البرية والبحرية والجوية من أراضيها، عند الشروع في المفاوضات معها ... وإني أرى من الواجب أن أسجل في هذه اللحظة أنها لم تستشر أحدا في هذه البلاد بأية طريقة كانت، وإني شخصيا لم أعرف هذا القرار إلا قبل تلاوته بنصف ساعة ... إنها خطة وضعتها الحكومة من تلقاء نفسها، فيجب أن تقع المسئولية عليها، ومن جهة أخرى يبدو لي أن المعارضة ترى من الواجب عليها الإشارة إلى خطورة الحالة.
إن ذلك العمل العظيم الذي قمنا به في تلك البلاد خلال ستين سنة من الدبلوماسية والإدارة، قد ألقي به في كثير من الخزي والهوس!» •••
هذا بعض ما قوبل به هذا البيان من المعارضة البريطانية، وهو يدلك على أهميته، وعلى أنه بالنسبة لمصر كان فاتحة سعيدة ومباركة للمفاوضات.
أثر الروس والمحافظين في المفاوضات
قبل افتتاح المفاوضات ببضعة أيام وصلت إلي رسالة بالشفرة من عمرو باشا سفير مصر بلندن، جاء فيها: «طلب إلى مستر بيفن أن أقابله في الحادية عشرة من صباح اليوم (19 أبريل) بوزارة الخارجية، وابتدرني قائلا إنه أتى من الريف خصيصا ليتحدث إلي، وأعرب عن رغبته الجدية في أن تبدأ المحادثات في القاهرة بداية حسنة، ويرى في هذا ما يبرر دعوته إياي من الريف في يوم عطلة عامة، فأجبته قائلا: «إني وأنا في بكهام كنت على استعداد للمساعدة بكل ما في وسعي ...» وعندئذ بدأ بيفن يتحدث عن الصعاب الجمة التي تواجهه، وأقلها على سبيل المثال مؤتمر باريس (مؤتمر وزراء الخارجية) الذي سيعقد قريبا، ثم مجلس الأمم المتحدة، إلى الأعباء الأخرى التي يضطلع بها، ثم قال: إنه لا يرغب أن يخفي قلقه من جراء مسلك روسيا مما شهدناه في الأسابيع القليلة الأخيرة، وما يمكن أن يلخص في الكلمات الآتية «شراهة الروس في احتكار البترول، وحرصهم على السيطرة». وأسر إلى مستر بيفن قائلا: إن سفير تركيا زاره أمس، وأعرب له عن القلق العظيم الذي يساور تركيا أيضا في هذا الشأن: وهذا نص ما طلب إلى مستر بيفن أن أنقله إلى الحكومة المصرية:
يقول وزير الخارجية البريطانية إنه يحرص على أن تبدأ المفاوضات في جو صالح من الصداقة، ويرى أنه يجب أن تبحث علاقاتنا في المستقبل على أساس أننا ندان مستقلان، وفي هذا الجو يجب أن تدرس صداقاتنا المستقبلة التي نرجو أن تتناول مسألتين؛ الأولى: التحالف، والثانية: التعاون المشترك للمحافظة على الأمن في الشرق الأوسط ...
ثم قال:
Página desconocida