Memorias de una niña llamada Suad
مذكرات طفلة اسمها سعاد
Géneros
ولا تفهم ماذا تعنيه عمتها، لكنها تقول: يعني البنت أحسن من الولد؟ وترد عمتها على الفور: لا يا حبيبتي، الولد أحسن من عشر بنات.
وتلاحظ سعاد أن زكي يرتدي جلباب بنت، فتقول لعمتها: إذا كان الولد أحسن من البنت، فلماذا يرتدي زكي جلباب بنت؟ ولماذا البنت لها سبع أرواح والولد له روح واحدة؟
وترد عمتها: لأن الولد نجمه خفيف، الناس تحسده بسرعة ويصيبه المرض ويموت وهو صغير، ثلاثة صبيان ماتوا مني قبل زكي، جدتك الحاجة قالت لي يا خديجة، الناس في كفرنا عيونهم مثل الرصاص على الولد، إنما البنت لا أحد يحسدها، البنت تجلب الهموم، لكن الولد يجلب السعد لأهله، والولد الذي يرتدي جلباب بنت لا يحسده الناس لأنهم يظنون أنه بنت، أنا عندي ثلاثة أولاد وخمس بنات «كبة» بنات مثل الهم على القلب.
تندهش سعاد وعمتها تذم البنات وتقول لها: ولكنك بنت يا عمتي، فهل تكرهين نفسك أيضا؟ وتضحك عمتها وتقول: يا حبيبتي، والنبي أنت عقلك نبيه يا سعاد، ربنا خلقني بنتا، وأنا راضية بنصيبي، ماذا أفعل؟ إرادة ربنا، الله هو الذي يخلق البنت وهو الذي يخلق الولد.
وأحست سعاد أن الله يحب أخاها أكثر منها؛ لأنه خلقه ولدا وليس بنتا، وأصبح أخوها يحب اللعب مع الأولاد مثله، ويطرد البنات من اللعبة، وكانت تبكي حين يطردها من اللعب وتصعد إلى البيت تشكو وتسمع أبوها يقول لها: لا تلعبي في الشارع مع الأولاد.
لم تكن سعاد تحب العودة إلى تلك الشقة الضيقة المليئة بالأثاث، وليس بها فناء واسع، وليس هناك حقل تجري فيه ولا حمارة تركبها، ولا شارع تلعب فيه مع الأولاد ويجلسون على الأرض في ضوء القمر يحكون الحكايات عن تلك العوالم المسحورة الغريبة.
الشارع تحت الشرفة كان مليئا بالسيارات والناس والباعة والترام، هي لا تهبط إلى الشارع لتلعب، فأمها تحذرها دائما من الخروج من باب الشقة وحدها، وإلا فهناك في الشارع رجال غرباء يسرقون الأطفال.
وتدور سعاد كالسجين الصغير في حجرات البيت الثلاثة الضيقة، ثم تخرج لعبها من الصندوق وتلعب مع أختها وأخيها، أو أي أطفال يأتون مع أهلهم لزيارة أمها وأبيها.
وظل صليل جرس الترام يجذب سعاد نحو الشرفة، لكنها أصبحت تقف على عتبة الباب الذي يقود إلى الشرفة، وترمق بعينيها الشرفة المجاورة، حيث تجلس امرأة تمشط شعرها الأسود الطويل، وحين تراها تبتسم وترى فمها واسعا كبيرا كفم الغولة، فتجري داخل البيت وهي تصرخ: الغولة ... وتقول لها أمها إنها ليست الغولة، وهي جارتهم لكنها لم تعد تستطيع الخروج إلى الشرفة وحدها، وتظن إذا ما اقتربت من الشرفة أن هذه المرأة سوف تمد يدها أو شعرها الطويل من بين الأعمدة الحديدية وتمسكها وتأكلها.
وأصبح الخروج مع أبيها إلى الشارع هو الذي يذكرها باللذة القديمة، وتسير إلى جواره، تحرك ذراعيها وساقيها وتشعر برغبة في القفز والطيران، لكنها تقاوم الرغبة، فالشارع مليء بالسيارات السريعة، وإحدى السيارات قد تدوسها، وهي تمسك بيد أبيها وتتشبث بها، تخاف أن تفلت يدها من يد أبيها وسط الزحام، وتفقد أباها وسط الناس، وألا تعرف الطريق إلى البيت فتتوه في الشوارع الواسعة الممتدة اللانهائية، ويأتي الليل وهي تمشي وحدها في الظلام، ولا تجد حجرتها ولا سريرها الذي تختبئ داخله تحت الغطاء من العفاريت، ولا تجد أمها التي تلف ذراعها حولها حتى تنام، وتبكي من الخوف والجوع، فيراها أحد اللصوص الذين يسرقون الأطفال فيأخذها ولا يعرف أحد مكانها.
Página desconocida