وسمعته يقول: لماذا تنظرين إلي هكذا؟
وقلت له: كنت تحب أمك؟
اغرورقت عيناه بالدموع لحظة ثم قال: جدا.
ولم تهزني دموعه. وقال: بعد موتها أحسست أن الدنيا فرغت.
ثم سكت لحظة وقال: ولكني وجدتك، فشعرت أن الدنيا امتلأت من جديد. - شيء غريب! - ما هو الغريب؟ - أن تفرغ الدنيا في نظرك بعد موت شخص. - كانت أمي، وكنت أحبها حبا شديدا. كانت تفعل كل شيء من أجلي. وأنت؟ أما كنت تحبين أمك؟ - كنت أحبها، ولكنها لم تملأ حياتي قط. - ربما كنت تحبين أباك أكثر؟ - كنت أحبه كما أحب أمي. - من هو إذن الذي ملأ حياتك؟ - لم يكن شخصا. - ماذا كان؟ - لا أدري، لعلها لم تمتلئ أبدا، أو لعلي كنت أسعى إلى تحقيق شيء. - ما هو هذا الشيء؟ - لا أدري، لعلي أريد أن أعمل عملا عظيما. - علاج المرضى؟ - لعله أكبر من ذلك. ••• - هل ترغبين في العيش معي إلى الأبد؟
سألني وهو ينظر إلي نظرة طفل يتيم؛ فأثار أمومتي وإنسانيتي ورغبتي العنيفة في البذل والعطاء، وأحسست أن حاجته إلي تشدني إليه وتربطني به، ونظرت إليه في حنان.
فسألني مرة أخرى: هل ترغبين في الزواج مني؟
وارتطمت كلمة الزواج برأسي فقهقرت أفكاري إلى الوراء. حينما كنت طفلة ماذا كانت كلمة الزواج تعني لي؟ رجل له بطن كبيرة في داخله مائدة طعام، وقد ارتبطت في ذهني رائحة المطبخ برائحة الزوج، وكرهت اسم الزواج، وكرهت رائحة الأكل.
وسألته دون أن أدري: هل تحب الأكل؟
ونظر إلي مندهشا وقال: الأكل؟ - نعم. - ما هذا السؤال الغريب الآن؟ - الرجل يتزوج ليأكل. - من قال لك هذا؟ - كل الناس. - هذا خطأ. - لماذا لم تفكر في الزواج وأمك تعيش معك؟ - لم تكن أمي تصنع لي الأكل فقط، ولكنها كانت تمنحني كل ما أريد. - أنت تتزوج ليمنحك أحد كل ما تريد؟
Página desconocida