عرفت أنني حين أنام فإن جزءا من مخي يظل ساهرا يرعاني، ويرعى دقات قلبي، ويشرف على همسات أنفاسي، وينظم مناظر أحلامي. يرعاني ويحرص علي ألا أقع من فوق السرير، وأنا أمتطي صهوة الجواد صاعدة إلى السماء، أو حين أسقط من طبقات الجو وأغرق في شلالات المحيط. ويوقظني من قبل أن أبلل فراشي فزعا حين يغرز وحش الغابة أسنانه في جسدي.
وانفتح أمامي عالم واسع جديد، وشعرت بالرهبة أول الأمر، ولكني سرعان ما أوغلت فيه بنهم وقد استولى علي جنون المعرفة. كشف لي العلم سر الإنسان، وألغى تلك الفروق الهائلة التي حاولت أمي أن تضعها بيني وبين أخي.
أثبت لي العلم أن المرأة كالرجل، والرجل كالحيوان. المرأة لها قلب ومخ وأعصاب كالرجل تماما، والحيوان له قلب ومخ وأعصاب كالإنسان تماما، ليست هناك فروق جوهرية بين أحد منهم، وإنما هي فروق شكلية تتفق جميعا في الأصل والجوهر.
المرأة تحتوي في أعماقها على رجل، والرجل يخبئ في أعماقه امرأة. المرأة لها أعضاء الرجل، بعضها ظاهر وبعضها ضامر، والرجل تجري في دمائه هرمونات مؤنثة.
الإنسان يغلق قفص صدره على وحش غابة كاسر، والحيوان في داخله إنسان.
الإنسان له ذيل، ذيل قصير مبتور في فقرة صغيرة في مؤخرة عموده الفقري، والحيوان له قلب يدق وله دموع تسيل.
وفرحت بهذا العالم الجديد الذي يضع المرأة إلى جوار الرجل إلى جوار الحيوان.
فرحت بالعلم، وأحسست أنه إله قوي جبار عادل، يعرف أسرار كل شيء، فآمنت به واعتنقته. •••
لم أكن أرى منه إلا وجهه الصغير، وعينيه الكليلتين تبحثان في يأس عن ملامح تعبر عن الرحمة، وذراعيه الرفيعتين العاريتين ترتجفان من البرد، وقد اختفى جسده الصغير تحت أقراص معدنية صلبة، تخرج منها خراطيم طويلة من المطاط، تنتهي في آذان آدمية تشبه آذان الأرانب. وترفع السماعات لتكشف لحظة عن أجزاء من صدره العاري، ثم تهبط مكانها سماعات أخرى؛ تضغط على ضلوع الطفل الصغير، تهبط هي الأخرى تحت ثقل الأقراص المعدنية الصلبة، تلتف حولها أصابع آدمية؛ بعضها غليظ مفرطح، وبعضها ناعم طليت أظافره باللون الأحمر.
وسمعت صوت الأستاذ الطبيب يقول: تقدمي واسمعي دقات هذا القلب.
Página desconocida