وفتحت الكتاب، ونظرت إلى الرسومات التي تشرح عمل المخ.
ما هذا؟ كأنما هي رسومات جهاز معقد كالتليفزيون أو الطائرة أو الغواصة، أو كأنما هي خريطة العالم؛ مئات من المراكز الرئيسية والفرعية، مئات من المحطات، ملايين من الخطوط والأعصاب. وعرفت أن قطعة اللحم التي في يدي هي التي تدير كل هذا؛ إنها تتلقى الرسالات من جميع أعضاء الجسم، ثم ترسل إليها الأوامر، تحملها حبال من الأعصاب. كيف هذا؟ هذه القطعة من اللحم تعطي أوامر إلى القلب والذراعين والساقين؟
تقول للقلب: تحرك. وتقول للذراع: انخفضي، أو ارتفعي. وتقول للساق: امشي أو قفي؟ كيف تدير كل الشبكة المتشابكة من الأعصاب دون أن تصطدم واحدة بالأخرى؟
ما الذي يجعلها تفهم سر الرسالة التي ترسلها إليها العين أو الأنف أو الأذن أو اللسان أو أطراف الأصابع، دون أن تخلط بين واحدة وأخرى؟
ونظرت من خلال العدسات المكبرة إلى الخلية الصغيرة المستديرة، لا شيء فيها سوى كمية ضئيلة من البروتوبلازم!
كيف تدب الحياة في هذه الكمية الميتة من البروتوبلازم فتتحرك وتدرك وتفهم؟
وفتحت كتب الكيمياء والطبيعة والفسيولوجيا لأبحث عن هذا السر. الكيمياء تقول: إنها قد تكون بعض التفاعلات الكيميائية التي تغير من جزئيات المادة فتنشط وتتحرك. والطبيعة تقول: إنها قد تكون نوعا من الكهرباء التي قد تغير من ذرات المادة فتنطلق منها الحياة. والفسيولوجيا تقول: إنها انعكاسات وإفرازات.
أخذت أقرأ وأبحث وأقلب حتى حفظت تركيب الجهاز الذي اسمه الإنسان عن ظهر قلب.
حفظت أسماء الأعصاب كلها، وحفظت خط سيرها؛ من مركز إرسالها في المخ، إلى محطة استقبالها في العضو، وبالعكس. حفظت أسماء الشرايين والأوردة، وعرفت طولها وعرضها وملمس جدرانها. عرفت تركيب العظام والنخاع والدم. عرفت كيف آكل، وكيف أرى، وكيف أسمع، وكيف أشم، وكيف أنام، وكيف أحلم.
عرفت كيف يدق القلب، ولماذا تحمر الوجنة. وعرفت كيف أشعر بلسع النار، وكيف أبعد ذراعي عنها.
Página desconocida