222

Memorias de Pickwick

مذكرات بكوك

Géneros

وفي وسط هذه التحيات تقدم المستر بت وهو يبتسم تلك الابتسامة المقترنة بالكرامة والهيبة، التي تدل دلالة كافية على شعوره بقوته، وإحساسه بنفوذه، ومعرفته كيف يبديه، ومتى يجب أن ينفذه، فدخل في المركبة.

وعندئذ خرجت من البيت المسز بت، وكانت بلا ريب ستبدو أشبه بأبوللو لو لم ترتد ثوبا فضفاضا، وكان يأخذ بيدها المستر ونكل، وهو في سترة ذات لون أحمر مائل إلى البياض، كان من المحتمل أن يتراءى للعين أشبه بالرجل «الرياضي» دون أحد سواه، لو لم يرتد هو الآخر شيئا جعله أقرب ما يكون شبها إلى ساعي بريد، وأخيرا أقبل المستر بكوك، فصفق الأولاد والغلمة له كما صفقوا للآخرين، وهتفوا كهتافهم المدوي لهم، وأغلب الظن أنهم اعتقدوا أن سراويله وأربطة ساقيه هي بعض بقايا العصور المظلمة.

وانطلقت المركبتان صوب دار مسز ليو هنتر، بينما راح المستر ولر الذي تقرر أن يذهب معهم للخدمة كبعض الندول والسعاة، يتخذ مجلسه فوق مقدم المركبة التي احتوت سيده.

ولم يلبث الرجال والنساء، والأولاد والبنات، والأطفال الصغار الذين احتشدوا لرؤية المدعوين في ثيابهم المستعارة، أن صاحوا صيحات الفرح الشديد والمسرة البالغة، حين رأوا المستر بكوك يمشي بين «قاطع طريق»، وبين أحد الشعراء الغزلين، إلى مدخل الدار في وقار وجلال، وما كان أشد الصيحات التي استقبلوا بها المستر طبمن، وهو يحاول تثبيت قبعته الشبيهة بقمع السكر فوق رأسه، يهم بالدخول إلى حديقة البيت دخلة رسمية جليلة.

وكانت الاستعدادات أبدع ما تكون مدى، وأبهج ما تكون نطاقا، بل كانت في الحق مصداقا لما توقعه المستر بت فيما كتبه عن أبهة الشرق، وفخفخة أرض السحر، وتكذيبا كافيا في الوقت ذاته لما كتبته «الإنديبندنت» الأفعى عن الحفلة من سوء، وقول خبيث، وتشنيع.

وكانت حديقة البيت أكثر من فدان وربع فدان مساحة، وهي مزدحمة بالناس، فلم تشاهد العين يوما مثل ما اجتمع في الحديقة ذلك الصباح من وهج الجمال، وسناء الأدب، وحسن الأزياء، فهنالك الغادة الشابة التي كانت تتولى قسم الشعر في صحيفة «الغازت إيتنزول»، وهي في ثوب «سلطانة»، وقد استندت إلى ذراع الشاب الذي يشرف على باب النقد والاستعراض، وكان يرتدي ثوبا مناسبا لمركزه ذاك، وهو ثوب «فريق»، خلا الحذاء، وهنالك أيضا جموع من العباقرة وأهل النبوغ، ممن يحسب العاقل أو من به مسكة من العقل أن الشرف كله في لقائهم، ولكن إلى جانب أولئك جميعا كان هناك نحو ستة من أسود لندن، من المؤلفين والكتاب، الذين وضعوا كتبا ومؤلفات كاملة، ثم عادوا فطبعوها للناس.

وإنك لتراهم في الحديقة يمشون بين المدعوين كأنهم من عامة الناس، مبتسمين ومتحدثين أحاديث لا تخلو من هراء كثير، وليس من شك في أنهم تعمدوها تعمدا، عن لطف ورعاية، لكي يفهمهم عامة الناس الذين أحاطوا بهم، وكانت هناك أيضا فرقة موسيقية وضع أفرادها على رءوسهم قلانس من الورق المقوى، وأربعة مغنين «من كل شيء كان»، وهم مرتدون زي بلادهم، واثنا عشر من السعاة والخدم في الفنادق استؤجروا، وجاءوا هم كذلك في زي بلادهم، وهو زي قذر نهاية في الاتساخ كذلك.

وفوق كل هذا وذاك، كانت هنالك مسز ليو هنتر في زي «منيرفا» تستقبل الجميع، وتفيض زهوا واغتباطا بجمع هذا الحشد الحاشد من المشاهير والأعلام في صعيد واحد.

وقال خادم ينبه ربة الدار: «المستر بكوك يا سيدتي.» بينما كان هذا السيد يقترب من تلك «المعبودة» المشرفة على الحفل، وهو ممسك قبعته بيده، وكل من «قاطع الطريق» والشاعر الغزلي ممسك بإحدى ذراعيه.

وصاحت مسز ليو هنتر مجفلة في نشوة دهشة مصطنعة: «ماذا! أين!»

Página desconocida