Memorias de Pickwick

Cabbas Hafiz d. 1378 AH
170

Memorias de Pickwick

مذكرات بكوك

Géneros

ولئن كان المستر بلوتن قد طرد من النادي، فقد ظل مناضلا لا يقهر، وراح يوجه «رسالة» إلى الجمعيات العلمية السبع عشرة، الأهلية والأجنبية، مكررا فيها البيانات التي سبق أن أدلى بها، وكاد خلالها يفصح عن رأيه في أن هذه الجمعيات السبع عشرة نصابة محتالة «مهرجة»، وغضبت الجمعيات السبع عشرة الأهلية والأجنبية لكرامتها، فلم تلبث أن ظهرت عدة رسالات أخرى في الموضوع ذاته، وتبادلت الجمعيات العلمية الأجنبية المكاتبات مع الجمعيات العلمية الأهلية، وتولت هذه ترجمة رسالات تلك إلى الإنجليزية، وتولت تلك نقل رسالات الأولى إلى لغاتها، وبدأ بذلك النقاش العلمي المشهور الذي عرفه الناس جميعا، وأطلقوا عليه القضية البكوكية.

ولكن هذه المحاولة في سبيل إيذاء المستر بكوك في سمعته ارتدت في نحر صاحبها المفتري، فقد أجمعت الهيئات العلمية السبع عشرة على أن هذا المفتري بلوتن جاهل دعي، وشرعت في إعداد بحوث أخرى، ورسالات جديدة، ولا يزال ذلك الحجر إلى يومنا هذا قائما أثرا مطماسا غير مقروء من آثار عظمة المستر بكوك، بل أثرا باقيا من آثار صغار خصومه، وهوان أقدارهم.

الفصل الثاني عشر

وصف إجراء خطير جدا اتخذه المستر بكوك، ولا يقل شأنا في رواية حياته عنه في سياق هذا التاريخ. ***

لم تكن حجرات المستر بكوك في شارع «جوزول» - على محدود نطاقها - نهاية في النظافة، جامعة لأسباب الراحة فحسب، بل كانت أيضا لائقة بنوع خاص لأن تكون مسكن رجل في مثل عبقريته، وقوة ملاحظاته، وكانت حجرة جلوسه في مقدمة الطابق الأول، وحجرة نومه في واجهة الطابق الثاني، وكانت الفرصة مواتية له - سواء جلس إلى مكتبه في حجرة الجلوس، أو وقف أمام المرآة في حجرة نومه - للتأمل والتفكير في الطبيعة البشرية من جميع مظاهرها ونواحيها المتعددة، في ذلك الحي الذي كان عظيم الشهرة بقدر ما كان كثير السكان. وكانت ربة البيت مسز باردل هي الوحيدة التي آل إليها ميراث موظف سابق في مصلحة الجمارك، وكانت امرأة لطيفة جمة النشاط، حسنة المظهر، أوتيت براعة طبيعية في طهو الطعام، ازدادت بفضل الممارسة الطويلة ومداومة الدرس، حتى استحالت إلى نبوغ فائق، وموهبة رفيعة، ولم يكن لها أطفال، ولا خدم، ولا دجاج، وكل من يساكنها في ذلك البيت رجل بدين، وغلام صغير، أولهما ساكن بأجر، والآخر نجيبها، وكان الساكن البدين يحضر دائما في تمام العاشرة ليلا، فإذا جاء حشر نفسه حشرا في نطاق سرير فرنسي قصير في الحجرة الخلفية، وكانت ألعاب «السيد باردل» الصغير وحركاته الرياضية ومراتعه، مقصورة على الأفاريز المجاورة والمزاريب والأفنية العامة، فكانت النظافة والسكينة تغمران البيت، وكانت رغبة المستر بكوك فيه قانونا لا نقض فيه ولا إبرام ...

وكان كل من يعرف هذه النواحي من التدبير المنزلي في ذلك البيت، ولا يخفى عليه شيء من عقلية المستر بكوك المنظمة الجديرة بالإعجاب، يبدو له أن مظهره وسلوكه في الصباح السابق لليوم المقرر لسفره إلى «إيتنزول» نهاية في الغموض والغرابة؛ فقد جعل يذرع الغرفة ذهابا وجيئة بخطى مسرعة، ويخرج رأسه من النافذة على فترات، كل ثلاث دقائق أو نحوها، وينظر مرارا إلى ساعته، ويبدي من مختلف أمارات القلق ما لم يكن من ديدنه، وكان من الجلي أنه كان يفكر في أمر كبير الأهمية، ولكن لم يكن أحد - ولا مسز باردل نفسها - مستطيعا أن يكشف ما هو ذلك الأمر الذي يشغله.

وأخيرا انثنى ينادي: «يا مسز باردل.» في اللحظة ذاتها التي كانت هذه المرأة اللطيفة توشك أن تنتهي من إزالة التراب من الحجرات.

وأجابت مسز باردل: «نعم يا سيدي!»

قال: «إن غلامك الصغير قد ذهب من وقت طويل جدا.»

وأجابت مسز باردل محتجة: «كيف ذلك؟ ... إن الطريق إلى الضاحية طويل يا سيدي.»

Página desconocida