الفصل العاشر
إلى الأقطار الشقيقة
وبعد أن مكث السيد ناجي صبيح يعمل معنا حينا، تناول أجرة العودة إلى القطر الشقيق وما كاد يستقر هناك، حتى وصلتني منه رسالة يستحثني فيها على السفر فورا مع أفراد الفرقة، للقيام برحلة في سوريا ولبنان. ولم ينس السيد ناجي أن يفهمني بأن في انتظارنا هناك سمنا وعسلا، وأن الفرصة سانحة ستفلت من أيدينا إذا لم ننتهزها عاجلا. وإنما الذي نسي الإشارة إليه هو أنه سوف يخبطنا طبنجة يخطف بها روحنا إذا امتنعنا عن السفر!
وصادف أن حضر إلى مصر في ذلك الحين الوجيه (خضر النحاس)، وهو من أنشط رجال الأعمال في الأقطار الشقيقة، وقد وافق على أن يتعهد بنشاطه المعروف رحلتي، وتلطف فدفع مبلغ مائتي جنيه كعربون أو كدفعة أولى تحت الحساب.
وقمنا إلى فلسطين أولا فنجحنا فيها والحمد لله، ثم واصلنا السير إلى لبنان وسوريا، ولكن للأسف لم نر ما كنا نأمل فيه من نجاح مادي، إذ اقتصر الأمر على النجاح الأدبي، وهو وحده «ما يأكلش عيش!» والغريب أننا كنا نرى التياترو مليئا بالجماهير، فإذا عدنا للإيراد تبين أنه لا يزيد عن العشرين جنيها أو ما حواليها صعودا وهبوطا.
وحتى لا أطيل في شئون هذه الرحلة أكتفي بالقول إنني عدت منها مدينا للسيد خضر النحاس بالعربون الذي دفعه، وهو ال 200 جنيه، ولعله يستحق مني أن أسجل له في هذا المقام فضلا لست أنساه، ذلك أن هذا الدين ظل في عنقي أمدا طويلا، بحيث لم يسدد إلا بعد مدة طويلة. وهذا ما يحملني على أن أجدد للسيد خضر شكري، لأنه يا سادة يا قراء عمل بأصله صحيح.
عملي في السينما
وعدنا من رحلة الأقطار الشقيقة للاستعداد لموسم سنة 1931. وبينما أنا في التفكير زارني استيفان روستي ومعه المصور السينمائي المعروف (كياريني)، وعرضا علي الاشتراك معهما في إخراج فيلم (صامت) إلا أنني اعتذرت لهما بأن أعمالي المسرحية من الكثرة بحيث تحول بيني وبين ما يرميان إليه، ولكنهما لم يقنعا بهذه الإجابة. وكلما أبديت لهما الأعذار، زادا في الإصرار. وأخيرا قبلت، واتفقنا على إخراج فيلم أطلقنا عليه اسم «صاحب السعادة كشكش بك».
وقد كان غريبا أن نبدأ العمل فيه دون أن نضع له فكرة معينة، أو نكتب له سيناريو محدد المناظر والوقائع. وكل ما هنالك أننا كنا نخرج في السادسة صباحا دون أن ندري ما سنفعل، حتى إذا جلست لتركيب لحية كشكش، بدأت أفكر في المناظر التي نصورها وفي الحوادث التي نمثلها. فإذا انتهيت من تركيب اللحية أكون قد انتهيت من تفكيري فنبدأ في التنفيذ، يعني في التصوير.
وتكلف فيلم «صاحب السعادة كشكش بك» أولا عن آخر مبلغا وقدره أربعمائة جنيه مصري فقط لا غير. يعني أننا أخرجناه بتراب الفلوس، ومع ذلك فقد نجح وجلب فلوس، وأقبل الجمهور على مشاهدته إقبالا لم يكن يتوقعه أكثر الناس تفاؤلا.
Página desconocida