كلام طيب ... لكن ننفد من الكشك إزاي يا أخينا؟
اتكلوا على الله!
واتكلنا على الله. أمال حانتكل على مين؟ واجتزنا النهر في رفقة الدليل العزيز بعد أن نصح لنا بالجلد وتصنع الشجاعة حتى لا يبدو علينا خوف مريب. فقلت للتوني. «تشجع» فأجاب: «ما تخافش أنا قلبي جامد» وأبصرت فإذا هذا القلب «الجامد» وقد وصل في سقوطه جنوبا إلى كعب صاحبه. ومال دليلنا على حارس الحدود فتسارا قليلا ثم أفهمه أنني وزميلي صديقان له وأننا حضرنا لمشاهدة حفلات الكرنفال المقامة إذ ذاك في بلاد الجمهورية الفضية. وتنفسنا الصعداء أنا والتوني، وتملكنا في هذا الحين مرح كمرح الأطفال، فعدونا بأخف ما حملتنا أقدامنا إلى القرية كي نأخذ القطار إلى بونس أيرس، وتقدمت متلهفا إلى عامل الشباك أطالبه بتذكرتين إلى المدينة التي نقصدها، فنظر إلينا وهز كتفيه بابتسامة لم نفهم لها معنى وأخيرا قال: «متأسف جدا. لقد تأخرتم لأن القطار مر صباح أمس!».
صباح أمس! وما هو موعد القطار التالي إذن؟ ...
قال: «بعد أسبوع؟!».
أسبوع!؟ وتقولون إنكم في بلاد متمدنة؟ أسبوع يا بني آدم في قارة اسمها أمريكا؟!
دي أفريقيا على كده رايتها لبن يا أولاد العم سام! القصد. أصبحنا أمام الأمر الواقع. وما باليد حيلة. ولكن أين نقضي هذا الأسبوع. ونحن في قرية لا تزيد مساكنها عن مائة بيت؟
ولكن إذا نسيت كل شيء فلن أنسى اسم هذه القرية التي أرتني الويل وسواد الليل، اسمها يا عزيزي الفاضل، «سان جوزيه» وينطقون هذا الاسم في الأرجنتين «سان خوسيه».
بشرة خير
التفت إلي التوني وقلت له: «أين نمضي الأسبوع ده يا وله؟» ثم غادرنا المحطة، واجتزنا البلد كلها بيتا بيتا في حسبة خمس دقائق، وهنا أشير إلى ظاهرة غريبة، وهي أن السوريين في أمريكا الجنوبية كاليونانيين تماما في مصر. وأني لأذكر أن اللورد كرومر كتب في أحد تقاريره السنوية، حين كان عميدا لبريطانيا في مصر، جملة مأثورة ترجمتها «إنك لو رفعت حجرا في إحدى قرى الصعيد «الجواني» لابد واجد تحته بقالا يونانيا». ولو أن كرومر كان معنا لكتب جملته هذه عن إخواننا السوريين في البرازيل والأرجنتين.
Página desconocida