مقلب من الوجه البحري
القصد، مر علينا عهد كاد قحطه يودي بنا، فرحنا نتلمس السبل للتغلب عليه. وكان بين ممثلي الفرقة شاب ممتلئ بالنشاط هو المرحوم أحمد حافظ شقيق الأستاذ عبد المجيد شكري الممثل بفرقة الأستاذ يوسف وهبي. طلع علينا المرحوم أحمد حافظ بفكرة نالت من الجميع حسن القبول، هي أن يسافر إلى المنصورة لترتيب حفلات تحييها الفرقة هناك. ووافق الجميع بالطبع، فغادرنا أحمد حافظ إلى المنصورة، ولم يمض عليه فيها يومان، حتى كتب خطابا إلى الأستاذ عزيز عيد يبشره فيه أن الدنيا «قهقهت» لنا مش بس ضحكت. وأن الطلبات تنهال عليه للحصول على التذاكر، وأن إيراد الليلة في المنصورة لن يقل عن الستين جنيها ... وأن .... «وظأططنا»، وانقلبت أتراحنا أفراحا، وظللنا ننتظر اليوم الموعود بصبر نافد. إلى أن حل الأوان، فقصدنا إلى «أرض الميعاد» ... المنصورة، في القطار الذي يغادر العاصمة قبيل الظهر. وأذكر أن أحدا منا لم يتناول طعاما إذ ذاك. لأن الحالة لم تكن تسمح بشراء رغيف واحد ... ولو حاف.
ولكي أكون أمينا في سرد الحوادث أعترف بأننا اقترضنا أجرة سكة الحديد على الحساب، كما أن الجوع ظل «يشاغبنا» ويتلاعب بأمعائنا طول الوقت الذي قضيناه في القطار. كل هذا ونحن نأمل أن نجد طعامنا في المنصورة بعد تسلم الإيراد «العظيم» من الأمبرزاريو (المتعهد) أحمد حافظ. الله يرحمه ويحسن إليه.
ووصلنا إلى المنصورة، وحملنا أمتعتنا، وبلاش أطول في الوصف اللي مافيهش فايده ... ويكفي أن أقسم أننا ظهرنا على المسرح في تلك الليلة ببطون خالية وأمعاء خاوية ... وبس!!
تبخرت الأماني والآمال. وضاعت الوعود الحلوة التي كانت تزخر بها خطابات مندوبنا، في الوجه البحري. بلغ إيراد الليلة الأولى أربعة جنيهات مصرية لا غير ... وخرم حساب أحمد حافظ ذلك التخريم الذي أترك تقديره لخيال القارئ العزيز.
ويلاه ما حيلتي. ويلاه ما عملي. على رأي المنولوج إياه! وماذا نفعل بالقروض التي فتحنا بها حسابات جارية هنا وهناك!
عزومة!
نهايته، أترك ذلك برضه لذكاء القراء الأعزاء. وفي آخر الليل وبعد التمثيل خرجت من المسرح وحيدا فعثرت في طريقي على بائع سميط عال، وجبنه رومي، فجرت بيننا مفاوضات انتهت بالرضا والاتفاق على شراء سميطة واحدة بالممارسة. ومعها قرطاس دقة «فوق البيعة».
وسرت في طريقي أقضم السميطة قضما، وما هي إلا خطوات حتى لقيني الصديق «الأمبرزاريو» أحمد حافظ. وبعد التحية المناسبة للمقام. من داهية تسم الأبعد، إلى غور جاك دم يلهف القفا! بعد تبادل هذه التحيات التي لابد منها في مثل هذه الظروف، سألني إلى أين أقصد، فقلت إلى اللوكاندة بالطبع. فضحك ضحكة هتكت ستر الليل وقال «تعال أنا عازمك الليلة في فسحة على كيفك!!».
عازمني! عازمني إيه يا بلا، وأنا مافيش في جيبي ثمن حتة جبنة أغمس بها السميطة؟
Página desconocida