وقد قام قاسم بك أمين بمجهودات عظيمة لنجاح المشروع؛ حيث قابل الخديوي وعرض عليه أن يتولى رعاية المشروع فقبل الخديوي، وانتهى الأمر بتعيين الأمير أحمد فؤاد رئيسا لمجلس الجامعة عام 1907، ومن أعضائها محمد علوي باشا وعبد الخالق ثروت باشا وإسماعيل صدقي باشا ويعقوب أرتين باشا وإسماعيل حسنين باشا ومرقص فهمي بك وعلي بهجت بك والسير جاستون ماسبيرو. وهكذا خرجت الجامعة المصرية إلى عالم الوجود.
وكان في مقدمة المتبرعين لهذا المشروع: الأميرة فاطمة كريمة الخديوي إسماعيل التي تبرعت بستة أفدنة ووقفت ستمائة فدان ليصرف من إيرادها على شئون الجامعة بالإضافة إلى جواهر قيمتها ثمانية عشر ألف جنيه، وتخليدا لفضلها كتب على مدخل كلية الآداب تلك العبارة التي ما زالت موجودة حتى الآن وهي: هذه من آثار حضرة صاحبة السمو الأمير فاطمة إسماعيل.
وهناك أيضا الأمير يوسف كمال، وأحمد بك الشريف، وحسن باشا زايد وهو من سراة المنوفية. وقد أوقف عزبة سراوة ومساحتها ستون فدانا على الجامعة، ومن أجل ذلك انتقل مجلس إدارة الجامعة المصرية برئاسة الأمير أحمد فؤاد إلى قصر حسن باشا زايد لتقديم الشكر له رسميا في 15 أبريل 1908، وألقى خطبة بهذه المناسبة، ورد الأمير فؤاد على خطبة حسن باشا زايد بكلمة تقدير.
وقد افتتحت الجامعة المصرية يوم 21 ديسمبر سنة 1908 في احتفال عظيم تصدره الخديوي إسماعيل، وكان في استقباله رئيس الجامعة الأمير أحمد فؤاد وأعضاء مجلس الجامعة ورئيس مجلس الوزراء والوزراء وعلية القوم. وألقى الأمير فؤاد كلمة في هذه المناسبة الوطنية السارة. وبارك الخديوي باكورة النهضة العلمية التي أذنت بفتح باب التعليم العالي أمام أبنائنا وبناتنا.
والحقيقة أن هذا اليوم كان يوما مشهودا في تاريخ مصر؛ لأن افتتاح الجامعة تحقق بعد حرب لا هوادة فيها بين اللورد كرومر من ناحية وبين المفكرين وأولي الأمر من ناحية أخرى، ويعد ذلك انتصارا لإرادة الأمة على إرادة المستعمر الذي كان يحاول بكافة الوسائل وضع العراقيل أمام تقدم العلم في بلادنا. ويعمل على تخلف أولادنا عن ركب العلم والمعرفة.
وجدير بالذكر أن السيدة ملك حفني ناصف التي اشتهرت باسم «باحثة البادية»، والتي كانت تكتفي من قبل بإعلان آرائها في الجرائد فقط، قامت بإلقاء سلسلة محاضرات مفيدة في الجامعة وفي صالة «الجريدة» التي كان يرأس تحريرها أحمد لطفي السيد بك.
كانت زيارة «الآنسة كليمان» هي بداية توثق الصلة بيني وبين الأميرة عين الحياة أحمد، وأذكر أن الأميرة كانت قد تأخرت عن موعد حضورها ذلك اليوم، فتأخر بدء المحاضرة عشر دقائق، ولما لم تحضر، بدأت المحاضرة حديثها، وكنت قد أجلست بعض قريباتي في مقاعد الصف الأول الذي كان محجوزا للأميرة، ثم لم تلبث أن أقبلت الأميرة، ورأتها قريباتي فأخلين لها المقاعد، ولما رأت السيدات الحاضرات ذلك، قمن جميعا مثلنا، وهنا سكتت المحاضرة عن الحديث وقامت هي الأخرى معتقدة أن هذه هي تقاليدنا، فأسفت الأميرة؛ لأنها سببت كل هذا الانزعاج واعتذرت للآنسة المحاضرة عن تأخيرها، وهنا رجوت الآنسة كليمان أن تبدأ محاضرتها من جديد.
ولقد كان هذا الحادث موضع انتقاد بعض السيدات الأجنبيات؛ لأن المحاضر عندهن لا يجوز أن يقاطع حديثه أو يقف مهما كان مركز القادم، ولكن العذر أن هذه كانت أول محاضرة تلقى على سيداتنا، وهن لم يتعودن مثل هذه الاجتماعات.
وبعد مضي أيام من محاضرة الآنسة كليمان وصلتني دعوة للشاي من الأميرة عين الحياة أحمد للتعارف بين الليدي كرومر الجديدة والسيدات اللاتي ساعدن في إنشاء مستوصف الليدي كرومر الأولى، ولكنني اعتذرت لأنني لم أشترك في تلك المساعدة، وكانت والدتي هي التي فعلت ذلك.
وبعد فترة قصيرة أرسلت الأميرة تطلبني لمقابلتها معتذرة بمرضها، فبادرت بتلبية الدعوة وقابلتني في فراشها، وبادرتني قائلة: «لقد فهمت حقيقة المشاعر التي منعتك من حضور الحفلة التي أقامتها الليدي كرومر. والحقيقة أنني أشعر بالخجل من عدم قيامنا نحن المصريات بمشروع جليل كهذا، وكان الواجب علينا أن نكون سباقات في هذا الميدان، ولذلك فكرت في تأسيس مستوصف تكتتب لإنشائه الأميرات والسيدات المصريات فنكون قد أدينا خدمة للوطن والإنسانية.»
Página desconocida