مكة بليل فيكوفوا طواف الزيارة ثم يرجعون إليها للمبيت ألا ترى أن من حلف أن لا يبيت في هذا المنزل الليلة فأقام فيه قبل نصفها لا يحنث ولو أقام أكثر من نصفها ثم خرج عنه إلى غيره فأقام فيه بقيتها يحنث لأنه بات فيه يحققه أنك إذا لقيت رجلا قبل نصف الليل حسن أن تسأله أين يبيت وإذا لقيته بعد نصف الليل حسن أن تسأله أين بات.
في الحلق والتقصير
روي أن رسول الله ﷺ قال: "اللهم ارحم المحلقين" قالوا: والمقصرين يا رسول الله؟ قال: "اللهم ارحم المحلقين" قالوا: والمقصرين يا رسول الله؟ قال: "والمقصرين" سبب تكرار الدعاء للمحلقين هو ما روى أنهم سألوا رسول الله ﷺ فقالوا: ما بال المحلقين ظاهرت لهم بالترحم؟ قال: "إنهم لم يشكوا" وذلك أن يوم الحديبية لما حلق رسول الله ﷺ حلق معه كثير من الصحابة وأمسك آخرون فقالوا: والله ما طفنا بالبيت فقصروا، فقال رسول الله ﷺ: "اللهم ارحم المحلقين" الحديث فلما توقفوا وبادر المحلقون إلى الاقتداء به فضلوا عليهم لا لفضل في نفس الحلق لأن الله تعالى أباحهما فقال: ﴿مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخَافُونَ﴾ ولكن لأن السبق إلى المعرفة يوجب الفضيلة للسابقين إليها كما وجبت الفضيلة لأبي بكر بسبقه إلى التصدييق في إخباره ﷺ بإتيان بيت المقدس من مكة ورجوعه منه إلى منزله في ليلته وكما وجبت الفضيلة لخزيمة بشهادته لرسول ﷺ على الأعرابي حتى سمى ذا الشهادتين لما سبقعم إلى معرفة جواز أداء الشهادة بدعواه ﷺ وإن لم يشاهد الحال فكذا المحلقون فضلوا على المقصرين بسبقهم إلى الطاعة وانتفاء الشك عن قلوبهم وعلمهم أن ما عاينوا منه أولى بهم مما قدمت معرفتهم به وروى أن المقصرين إنما كانوا رجلين أحدهما من قريش والآخر من الأنصار قال القاضي: ويمكن أن يقال الحلق أفضل لكونه سنة الرسول ﷺ ولكونه أبلغ في قضاء التفث أشق والأجر على قدر التعب