Problemas de la civilización moderna
معضلات المدنية الحديثة
Géneros
ومن طريق النظر في فكرة «جوته» في التاريخ ساد الرأي عند المؤرخين بأن القول بأن التاريخ فرع من العلوم الاستقرائية مسألة غامضة مبهمة، والحقيقة أن أصحاب ذلك القول لم يقيموا من حجة على صحة رأيهم، فتخلصوا من موقفهم بالقول بأن التاريخ فرع من العلوم الاستقرائية باعتبار الموضوع، وفن باعتبار الذاتية. ولقد رد على هؤلاء رأيهم هذا بأن التاريخ إن اعتبر علما باعتبار الموضوع، فإنما يصبح اجتماعا صرفا ليس للتاريخ فيه من أثر، اللهم إلا علاقة المستمد من المستمد منه.
ولقد نقد الأستاذ «ماكولي تريفليان»، وهو خير من أرخ في نهضة إيطاليا الحديثة، رأي الذين يذهبون مذهب أن التاريخ علم يقيني، فقال في ماهية التاريخ وفائدته في مقالة عنوانها «كليو
Cilo »، أي إلهة التاريخ، فقال:
إن ميزة التاريخ التي لا ينكرها أحد تنحصر في تدريب العقل، ليصل إلى درجة يقتدر بها على إدراك المسائل السياسية إدراكا صحيحا، ولكن هذه الميزة لا تتناول التنبؤ عن المستقبل، فلا يمكن للتاريخ مثلا أن يمدنا بمجموعة من السنن العامة يصح تطبيقها في كل عصر ليسترشد بها السياسيون، ولا يستطيع التاريخ أن يظهر لنا من طريق المقارنة التاريخية من من المتخاصمين كان في جانب الحق في أية مسألة من المسائل العامة. ولكن ماهية التاريخ تنحصر في شيء أبعد من ذلك شأنا وخطرا، وهي تدريب عقلية الإنسان على معالجة المسائل العامة وفهمها ومشاركة بقية الأمم في شعورها، فإن المعلومات التي يمدنا بها التاريخ لا قيمة لها في ذاتها ما لم تخلق فينا حالة فكرية جديدة، فإن فائدة تاريخ «ليكي
Leckey » في أيرلندا لا ينحصر في أنه دون في كتاب واحد تفاصيل المذابح العديدة وحوادث القتل والتفظيع، بل إنه أحدث فينا حاسة بالعطف والشعور بالخجل، وساعد على إدراك الحقيقة التي تقضي بأن ذنوب الآباء تتعدى إلى الأبناء وإلى الأجيال التي تشب على الكراهية
1
فهو لم يبرهن على منح الحكم الذاتي لأيرلندا من حيث هو خطأ أم صواب، بل درب عقول أنصار الاتحاد مع إنجلترا وأنصار الحكم الذاتي لأيرلندا على إدراك المسألة الأيرلندية وغيرها من المسائل إدراكا صحيحا.
ثم أردف المؤرخ هذا القول بالكلام في مسألة أخرى أثبت بها أن التاريخ لا يمكن أن يستنتج قوانين عامة من الأسباب والمسببات كالعلوم الطبيعية مثلا، قال:
وما زالت المحاولات التي ترمي إلى استنتاج الأسباب والنتائج التي تنطبق على حياة الإنسان وحالاته السياسية، والتي تتكرر بتكرر حدوث هذه الأسباب؛ معدومة الجدوى. فإذا استطعنا مثلا إقامة البرهان العلمي الثابت على قانون الجاذبية، تعذر علينا ذلك في البحث التاريخي، كما لو أردنا مثلا أن نثبت أن المجاعات تنتج الثورات دائما، وهو ما لا يمكن إقامة البرهان على صحته، بل إن عكس ذلك صحيح في جملة حوادث يستنتج منها أن المجاعات تنتج خضوعا واستسلاما ومذلة. من هنا لا يمكن الفصل بين أية حادثة من حوادث التاريخ وبين ما يحيط بها من الظروف إذا ما أردنا أن نستوضح قانونا عاما يمكن تطبيقه على كل ظرف؛ لأن الحادثة التاريخية ليست سوى مجموعة من الظروف لا يمكن أن تحدث بظروفها مرة أخرى.
ثم قال الكاتب متهكما:
Página desconocida