Problemas de la civilización moderna
معضلات المدنية الحديثة
Géneros
همس وحي الإنتاجية الحديثة في روع الشعوب، خطأ وتضليلا، بأن إمكان التصدير لا حد له، وأن العالم في مستطاعه أن يبتلع كل السلع التي نلقي إليه، فهب العمال والشعوب يخرجون بكل ما بلغ إليه مستطاعهم سلعا يلقمونها لكرة الأرض، حتى إذا ما هبت عواصف الثورات أو تناوحت رياح الحروب أو انتاب حالات التجارة اضطراب في النقل أو الاستيراد، زاد عدد العاطلين في البقاع الصناعية زيادة كبيرة، وليس لزيادة عدد العاطلين تحت تأثير هذه الظروف الحادثة من معنى إلا أن يعيش جمع غفير من أفراد المجتمع متطفلين - وليس ذلك من نتاج إرادتهم - على ما تنتج اليد العاملة النشيطة، ولهذا ترى أن زيادة عدد السكان مع زيادة نسبة عدد العاطلين أمران هما غرس المدنية الميكانيكية الحديثة. •••
تمثل الشاعر دانتي المشهور إنسانا وأفعى، وقف أحدهما بإزاء الآخر، وما لبثا أن يقفا حتى تولاهما انقلاب خلقي خطير، إذ انبطح الإنسان على الأرض واندمج ساعداه في جنبيه والتحمت ساقاه، وأخذ جسمه يستدق ويزداد استدارة وامتدادا، في حين أن الأفعى انتصبت على ذنبها وأخذ رأسها يتضخم ونبت لها ساعدان، وانفلق نصف جسمها الأسفل فكان ساقين، ثم نظر كل من الإنسان المنقلب أفعى والأفعى التي انقلبت إنسانا بعضهما إلى بعض برهة، ثم مضى كل منهما في سبيله. فلو أن الشاعر العظيم أدرك هذه المدنية التي يصفها الدكتور أوستن فريمان هذا الوصف الممتع العميق، لما تخيل أن إنسانا وقف إزاء أفعى ليأخذ كل منهما صورة صاحبه، بل تخيل إنسانا وقف أمام آلة ميكانيكية فنيت إرادته في إرادتها، فأصبح آلة، وأصبحت الآلة إنسانا. •••
الإنسان من الوجهة الفردية في المدنية الحديثة من أكثر الأشياء بذلا وخسارا، انظر في العديد الأوفر من العمال تجد أنهم إنما يعيشون متطفلين على الآلات الميكانيكية، تلك الآلات التي أخرجتهم عن وظائفهم الطبيعية التي خلقوا معدين للقيام بعبئها، خذ لذلك مثلا حمولة سفينة من السفن العظمى توسق عمالا من الذين دربتهم مصانع الإنتاج الحديثة لتلقي بهم على جزيرة من الجزائر الخصبة غير المعمورة، فهل يمكنك أن تتصور أن في مستطاعهم أن يكونوا جمعية متمدينة مكفية شر الحاجة، كما فعل أول المهاجرين إلى أمريكا؟ من الواضح أنهم يعجزون عن هذا كل العجز، وهم إن أفلتوا من يد الموت جوعا، فإنك تجدهم بعد ستة أشهر من هجرتهم في أقصى حالات الهمجية وأحط دركات التوحش.
روى الدكتور فريمان أنه شاهد ثلاثمائة من زنوج أفريقيا قذف بهم النوء على شاطئ مهجور من شواطئ أفريقيا الغربية الغني بأشجاره وغاباته، فما لبث أن رآهم بعد أن غابوا ساعة في أعماق الغابة عائدين بحزم من الأغصان والحبال المفتولة، وما كان أشد عجبه إذ تطلع بعد قليل فوجد قرية قائمة معدة للسكنى، وهذا المثال يشابه المثال الذي رواه الدكتور مولر ليير نقلا عن سائح في جزائر تاهيتي. هذه المهارة وضروب غيرها من الفنون فقدها العامل في المدنية الحديثة بفضل الإنتاج الميكانيكي، وعلى هذا لا نستخلص من بحث دكتور فريمان إلا أن الإنسان في مدنيته الأخيرة ذاهب في سبيل الفساد من الوجهتين الفردية والاجتماعية. (2-4) التطفل الاجتماعي
صور التطفل في الحياة كثيرة، متشابهة وغير متشابهة، فالتطفل في عالم الحيوان مبدأ يؤدي إلى نتيجة هي بذاتها التي يؤدي إليها في عالم النبات، تلك النتيجة المحتومة التي تؤدي إليها صور التطفل هي الفناء، فناء الأجسام المتطفلة وفناء الأجسام المتطفل عليها.
إن الميكروبات بأنواعها أجسام حية تعيش متطفلة على الأحياء، وبعضها حيواني وأكثرها نباتي، وهل ترى لتطفلها من نتيجة غير الموت المحتوم الذاهب بها وبالأحياء التي تتطفل عليها إلى عالم الفناء؟ وكذلك النباتات العليا، فإن منها ما يعيش متطفلا على نبات غيره كعشب الدبق، إذ ينبت على أصول أشجار التفاح والبلوط، فلا يلبث إذا ما تكاثر عليها أن يفنيها ويقتلها، إذن فالتطفل مبدأ في عالم الحياة له آثاره المشاهدة في عالمي الحيوان والنبات. فهل في عالم الاجتماع أثر من مبدأ التطفل الذي يفسد نظام الجماعات ويفنيها كما يفني التطفل الأجسام في عالم الحياة الفردية؟ سوف ترى معي أن في عالم الاجتماع من صور التطفل ما يذهب أثرها إلى غور أبعد من ذلك الغور القصي الذي تصل إليه في عالم الفرد.
ذاعت فكرات الاشتراكية في العصور الحديثة كدواء لأمراض يشكو منها المجتمع الحديث، فكانت كالسم يسقى لمن لدغته أفعى، فإن صورة التطفل التي يخلقها نظام الاشتراكية لصورة لا تنتج إلا داء عضالا ما تبرأ منه الجماعات إن هي دلفت يوما بقدمها في مفاوزه الوعرة.
تذهب مع الاشتراكيين في وصفهم لمتاعب المجتمع الحديث وضروب المظالم التي يخلقها النظام المدني القائم من حولك، فلا تذهب إلا في جو من الإقناع واليقين بأن النظام الحاضر قائم على أساس كل ما في عالم الحياة يدعو إلى تغييره والتبدل منه بنظام يكفل للإنسانية قسطا من المتعة بسعادات الحياة. ولكنك لا تذهب معهم إلى وصف الدواء حتى تعرف أنهم أمهر كل أطباء المجتمع تشخيصا لدائه، كما أنهم أقصر باعا وأعجزهم يدا عن علاجه.
سل نفسك ماذا يطلب الاشتراكيون ليكون دواء من سقام النظام الحاضر؟ تجدهم يطلبون المساواة بين الناس في فرص الحياة وفي الحطام، أوتدري أية نتيجة تتوافر مع المساواة؟ لا يتوافر معها إلا جو من التطفل لا نهاية له إلا فساد المجتمع وتحليل روابطه الوثقى؛ لأنه من المحتوم عليك في اشتراكية المساواة أن تسوي بين الذين لم تسو بينهم الطبيعة في الكفاءات والمواهب، فتكون النتيجة أن يخرج كل من الأقوياء بنسبة قوتهم، والضعفاء المكدودين بنسبة ضعفهم، ولكن النتيجة أن يقتسم الكل حاصل الضرب على نسبة واحدة، وليس لهذا من نتيجة إلا أن يزداد نصيب الضعف على نصيب القوة إذا روعيت نسبة الناتج منهما، وبذلك يعيش قسم من المجتمع متطفلا على مجهود غيره وبهذا تنحط قوة الأقوياء؛ لأنهم لا يصيبون من الناتج على نسبة ما يستحقون تلقاء عملهم، ولا نهاية لهذه الحال إلا انحطاط المستوى العام إلى درجة الفناء والعدم الصرف إذا ما توالت تأثيرات هذه الحال بضعة قرون متوالية. •••
أما العمال في مدنية الإنتاج الحديث ففيهم نزعة إلى التطفل على جسم المجتمع الحاف بهم، ولا يبغض دكتور فريمان من شيء في عالم الاجتماع بقدر ما يبغض هذه الصورة التي سوف نوقفك على رأيه فيها، على أنك لا تكاد تنتهي مما كتب فريمان في التطفل الاجتماعي قراءة، حتى يشملك حزن عميق، وحتى يقوم في ذهنك من مضارب الآراء ما يحملك على التساؤل أية مهواة من مهاوي هذا النظام وأي صدع من صدوع هذه المدنية سوف يبتلع جماعات العصر الحديث؟ كأنك ترى الفساد والانحلال الاجتماعيين ماثلين أمامك تمثالا متحركا يضرب في الأرض على قدميه إلى غور سحيق يكاد يتردى فيه.
Página desconocida