ولم تمض أعوام حتى كان عبد الرحمن بن عوف من أغنياء المدينة قد اكتسب ثروة مكان ثروة، وكنز مالا مكان مال، واستطاع أن يتزوج فيمهر امرأته ثلاثين ألفا، وكان يقول: لقد رأيتني وما أرفع حجرا إلا ظننت أني سأجد تحته ذهبا أو فضة!
كان عبد الرحمن إذن من كبار الأغنياء قبل أن تفتح مكة، فلما تم فتح مكة ضم إلى ثرائه الجديد ثراءه التليد، ثم استثمر هذا كله كأحسن ما يستثمر المال، وكأحسن ما كانت قريش تستثمر المال، حتى أصبح ذات يوم وإنه لمن أغنياء العرب كافة، ولعله أن يكون أغناهم كافة، لا يستثنى منهم إلا عثمان بن عفان رحمه الله. وربما كان من الممكن أن يقال إن عبد الرحمن بن عوف كان أغنى من بيت مال المسلمين أيام النبي
صلى الله عليه وسلم ، فلم يكن بيت المال في ذلك الوقت يدخر شيئا، ولم تكن تجبى إليه الضرائب، ولم يكن يحمل إليه فيء ذو خطر، وإنما كانت تصاب الغنائم اليسيرة في الغزوات فتقسم بين الغزاة، ويحفظ خمسها للمرافق العامة ولوجوه الإحسان والبر. وكانت الصدقات تؤخذ من الأغنياء فتقسم بين الفقراء، ولا يصل منها إلى المدينة إلا أقلها، فإذا وصل حبس على المصارف التي بينها الله في القرآن الكريم، فكان بيت المال فقيرا. وليس أدل على فقر بيت المال من إلحاح النبي
صلى الله عليه وسلم
على الأغنياء من الناس في أن يعينوه على بعض غزواته بأموالهم؛ يخرجون له عن بعض فضولها، أو ينزلون له عن بعض أصولها.
ولم يكن النبي
صلى الله عليه وسلم
يكره شيئا كما كان يكره اجتماع المال، ولم يكن يشفق على نفسه وعلى أصحابه من شيء كما كان يشفق على نفسه وعلى أصحابه من اجتماع المال وتضخم الثراء، فنظر ذات يوم إلى عبد الرحمن وقال له: «يا ابن عوف، إنك من الأغنياء، ولن تدخل الجنة إلا زحفا؛ فأقرض الله يطلق لك قدميك.» قال عبد الرحمن بن عوف: «وما الذي أقرض الله يا رسول الله؟» قال: «تبدأ بما أمسيت فيه.» قال: «أبكله أجمع يا رسول الله؟» قال: «نعم!» فخرج ابن عوف وهو يهم بذلك، فأرسل إليه رسول الله
صلى الله عليه وسلم
فقال: إن جبريل قال مر ابن عوف فليضف الضيف، وليطعم المسكين، وليعط السائل ويبدأ بمن يعول، فإنه إذا فعل ذلك كان تزكية ما هو فيه.
Página desconocida