إهداء الرواية
المقدمة
أسماء أشخاص اللعب وبيانهم
الفصل الأول
الفصل الثاني
إهداء الرواية
المقدمة
أسماء أشخاص اللعب وبيانهم
الفصل الأول
الفصل الثاني
موليير مصر وما يقاسيه
موليير مصر وما يقاسيه
تأليف
يعقوب صنوع
إهداء الرواية
أهدي كتيبي ده لأعز الأحباب، ولألطف وأجل الكتاب، من بأقواله البديعة، وأفكاره الرفيعة، وعباراته الجميلة، وتصوراته الجليلة، يسليني في الغربة على الهموم والأكدار، ويحببني في الرياض والأزهار، ويصبرني على تقلبات الزمان، يحفظه ويحرسه الرحمن، وهو جناب الكونت فيليب طرازي الشهير، النجيب الأديب اللبيب النحرير، أبو قلب ملوكاني وروح ملائكية، ما يخرج من عنده الفقير إلا وحامل عطية، يسر عين الناظر برؤية وجهه اللي يتلألأ بالكرم والإحسان، ويطرب أذن السامع بحلاوة وفصاحة اللسان، أهديه روايتي يا سادة، وأتمنى له طول العمر والإقبال والسعادة، ده يا ناس أشهرني في سورية، وكتب ترجمة حالي الحقيرة وجعلها بثنائه غالية غنية، وضعت رسمه الحلو هنا في ابتداء كتابي، شوفوه وتأملوا في جماله يا أصحابي، وقولوا تبارك الخالق محب الجمال، طرازك يا سي الشيخ يقينا بديع الحسن والكمال.
المقدمة
قال الشيخ المؤلف بعربيته المصرية، إلى جناب قراء روايته دي البهية: أهديكم يا سادتي سلامي، وتحيتي واحترامي. وأتمنى لكل أفندي وموسيو وسنيور العز والهنا والسرور. وأرجوكم يا أعز إخواني، من مؤمن وإسرائيلي ونصراني، المحشي من حبكم فؤادي، المحبوبين عندي كأولادي، أن تسامحوا كل الغلط اللي تجدوه في دي الرواية، وربي يرزقكم في الملايين بالماية. فالآن رخصوا لي أن أقص عليكم يا كرام، ما قاسيته في إنشاء التياترو اللي أسسته منذ أربعين عام، على أيام إسماعيل اللي في ذلك الزمان، كنت عنده من أعز الخلان. تارة تضحكوا، وتارة تبكوا، وتارة تشكروا، وتارة تشكوا. من الرواية الآتي شرحها يا حضرة القاري، ترسو على حقيقة التياترو العربي وكيفية أفكاري.
الرواية دي أمام ذواتنا الكرام، صار لعبها ليلاتي مدة شهرين تمام، حتى إن أذكى الشبان على ظهر قلبهم حفظوها، وعملوا عليها سهرات وأمام أحبابهم لعبوها.
فالآن سلكوا اودانكم يا أبناء العرب، واسمعوا روايتي المشخلعة اللي كلها طرب.
أسماء أشخاص اللعب وبيانهم
جمس:
منشئ ومؤسس التياترو العربي عام 1870 ميلادية.
متري:
لعيب مشهور في تقليد الفلاحين.
حبيب:
لعيب ماهر في تقليد التجار.
اسطفان:
لعيب شاطر في تقليد العياق.
عبد الخالق:
خلبوص.
حنين:
مقلد الإفرنج.
إلياس:
جدع على نياته.
بطرس:
صاحب المكر والحيلة.
حسن:
خادم التياترو.
ماتيلدة:
لعيبة أولى.
ليزة:
لعيبة أخرى.
الفصل الأول
المنظر الأول (دار متري) (متري وحسن يتحادثان.)
متري :
يا أبا الحسن أنا كنت في انتظارك، أتحفني يا جدع بأخبارك. هل علقت يا عم الإعلانات، وفرقت الأوراق على الأهالي والذوات؟
حسن :
دانا صار لي من الفجر داير، أفرق العزايم على الدواوين والدوائر. وما خليت لا حمزاوي ولا غورية، ولا موسكي ولا صرافية، إلا وأخبرت يهود ونصارى ومسلمين، أن هذه الليلة رواية جديدة يحضرها باشوات عابدين.
متري :
حقا انت يا حسن أصبحت لهجاوي، وتعلمت المكر ده كله من موليير رئيسنا الحاوي.
حسن :
يا خواجة متري بخر فمك وتكلم في موليير أبو جموس، أنس كل مكان محيي النفوس. والنبي ما نسوى بصلة من غيره، وخسيس فينا اللي ما يكتر خيره. دا رجل الشهادة لله قلبه رءوف، تارك لنا إيراد التياترو وبيطلع من عبه المصروف. تراه يلاطف مزاجنا كبير وصغير، والحال إننا أشقياء وهو وحده الأمير.
متري :
والله يا حسن كلامك صحيح، عمنا جمس اللي سماه خديوينا بلقب موليير مصر دا رجل مليح، إنما ما لوش بخت مع الجماعة، الأولاد بيسوقوا عليه الشيطنة والبنات بتسوق عليه الدلاعة. والله ما يوجد متله في تياترات لندرة وباريس، هو المؤلف هو المدرس هو المبلغ هو الرئيس.
حسن :
وده كله ما بيتمرش فيكم، بكرة يجيكم رئيس غيره يخفيكم. انظر يابو متري يا اللي بالعقل مشهور، إنت انصح الجماعة وإلا فالدواير علينا تدور. آدحنا بقينا الظهر وهم لسا ما جوش، فكيف يلعبوا الليلة قطعة جديدة إذا ما درسوش؟
متري :
هم ليلة البارحة وعدوني أنا، بإن قبل الظهر يكونوا هنا.
حسن :
أهم ما جوش، والمسيو جمس المسكين في التياترو منتظر اللعيبين. أنا شفته وهو اللي قال لي اجري يا واد، رح بيت متري هناك تلاقي الأولاد، قل لهم دا ما يصحش أنا ما نيش خدامهم، صار لي هنا ساعتين في انتظارهم.
متري :
هس، سامع حد بيدق على الباب، دا عمنا اسطفان، اخطف رجلك وهات لنا جمس يا خمران.
حسن :
على العين والراس، يا سيد الناس (يخرج) .
المنظر الثاني (متري واسطفان)
متري :
بون جور يا موسيو اسطفان، تفضل يا سيد الغزلان. الله عليك يا مهيج المادامات، يا ساحر البلابل مصبب الحريمات.
اسطفان :
ما أسعد هذا الصباح، بمشاهدة وجهك يا صاح. كيف حالك يا من للعين قرة، وللقلب بهجة ومسرة؟ لعلك تكون بخير.
متري :
دبتي تخرق الأرض يا مون شير. وانت يا أخ زيك اليوم، برضك نازل في بحر المحبة عوم؟
اسطفان :
محبة إيه وعوم إيه يا جندي؟ إنت اسمع الأخبار المهمة اللي عندي. ده فرغ الهزار وبقي الجد، وغدا تسيل الدموع على الخد.
متري :
الله لا يقدر يا سي اسطفان.
اسطفان :
آهو قدر واللي كان كان.
متري :
بس يا شيخ ما تصرعنيش، كلامك ده صحيح والا توشيش؟
اسطفان :
خد واقرا ده جرنال شهير باسكندرية، يذم ويطعن ويلعن التياترات العربية؛ لكونها عن أصول النحو خارجة، ورواياتها مكتوبة باللغة الدارجة.
متري :
واللي كتب الكلام ده هو مين، يا هل ترى من أبناء الوطن أو من الأوربيين؟
اسطفان :
إيطالياني كاتب هذه الأقوال، كما وإن إيطالياني ذات الجرنال.
متري :
عرفته يا عم، دا رجل بالهم. دا من رئيسنا جمس بالغيرة بيموت، وكل ما علينا بيفوت ويرانا في لعبة جديدة بنعيد، عوض ما يقول لنا نهاركم سعيد، يقول لنا لعب الروايات دي الهلس عار، ما ينبسطوا منها لا كبار ولا صغار. فقلنا له ذات يوم ورينا رواياتك البديعة، فجاب لنا قطعة شنيعة، متنا من الضحك لما قريناها، وتاني يوم في وجهه حدفناها. وقال انه كاتبها بالنحوي بالقاف والنون، مثلا نحن يدخلون، ويلبس البنطلون، وانتو يشربون ويركسون ويظحكون، وبعد ذلك كلنا ينطلقون.
اسطفان :
دا رجل مجنون، فلا أحد يعتبر كلامه، ونحن ننجح وهو ما ينول مرامه.
متري :
إحنا نقدر بكلمتين نجاوبه ونسد فمه، ونخليه يهرب ويستخبى في حجر أمه. الكوميدية تشتمل على ما يحصل ويتأتى بين الناس.
اسطفان :
عفارم يا متري كلامك زي الألماس.
متري :
فيا هل ترى العالم في مخاطباتها تستعمل اللغة النحوية، أو اللغة الاصطلاحية؟
اسطفان :
المشايخ وأصحاب المعارف والفنون، عمرهم ما بيكلموا بعضهم بالقاف والنون.
متري :
بقى رقيبنا الإيطالياني ده رجل مجنون، هو والذي في تأليفات رئيسنا جمس يطعنون.
اسطفان :
من خصوص عمنا جمس يكفيه، مدح جرائد الشرق والغرب فيه. دا رجل شهدت له العلماء بأنه فريد العصر، ما أحد قبله عمل تياترو عربي في مصر. وأفندينا - أنعم الله عليه بالعافية والخير - لما لعبنا أمامه سماه موليير. وموليير هو مؤسس التياترات الفرنساوية، وعمنا جمس منشئ التياترات العربية. فمن وقتها في سراية عابدين، وفي الدوائر والدواوين، ما حدش يسميه جمس يا مون شير، جميعهم يقولوا له يا موسيو موليير.
متري :
والله يستاهل؛ لأنه قاسى عذاب أليم، في إنشاء التياترو العربي العظيم. ودرانيت باشا رئيس الأوبرا والتياترو الفرنساوي، اللي كان أصله أجزجي لهجاوي، وكان يضرب حقن لعباس باشا جنتكمان، كان لإنشاء تياترو العربي أكبر عدو ودشمان. إنما جمس دا جدع مكار، طلع عليه خامة وخلى دمه فار. ياما ضحك الخديوي إسماعيل ليلة ما لعبنا في قصر النيل، على لعبة راستور وشيخ البلد والقواص، وقال لدرانيت: جمس ما هوش خباص، آهو نجح وعلم التشخيص لأولاد وبنات، اللي عمرهم ما رأوا التياترات.
متري :
وليلة ما لعبنا في تياترو الكوميدية الفرنساوية، لعبة حلوان والعليل، والأميرة الإسكندرانية، انبسط هو والذوات، وضحكت من وسط قلبها الحريمات. ومن سفر ساعة، العالم سمعت تصفيق الجماعة.
اسطفان :
وإسماعيل باشا صديق وخيري باشا وعمر باشا اللطيف، قالوا له برافو يا موليير، والله تأليفك ظريف.
متري :
إنما رئيسنا جمس ربة التواضع والاحتشام، ما يحبش أحد يمدحه، ودائما يقول لذواتنا الكرام: كتابة الكوميديات ما هيش شطارة، الشطارة لعبها أمامكم يا أبناء الأمارة. والكلام ده وصلوه لأفندينا، وده سبب محبة الخديوي فينا. آهو أعطانا مجانا تياترو الأزبكية، اللي بيحضروه ليلاتي الذوات من عابدين والإسماعيلية.
اسطفان :
يا ليته يا متري ما أعطاه لنا، الإنعام ده رايح يفرق بيننا؛ لأن اللعيبين واللعيبات بدهم من الميري تعيين ماهيات. وإلا ما يلعبش منهم لا كبير ولا صغير؛ لأن اللي بيدخل لهم من التياترو ما هوش كتير. أنا شفتهم في الصباح، فاسمعت منهم دا الكلام يا صاح.
متري :
هس يا جندي، أنا سامع ناس في السلالم طالعين، لا بد إنهم اللعيبين.
اسطفان :
نظرك في محله دول هما بذاتهم، دلوقت يا عم تسمع طلباتهم. إنت شيطان وأنا إبليس، إن كنا جدعان نغيظهم وننصر عليهم مولييرنا الرئيس.
المنظر الثالث (حنين وعبد الخالق وإلياس وبطرس والمذكورين)
حنين :
صباح الخير يا متري، بون جور يا اسطفان.
متري :
صباح الخير إيه واحنا بقينا الظهر يا خمران؟
عبد الخالق :
وإذا بقينا المغرب رايح يجرى إيه يا عم؟
اسطفان :
ما تقدرش تدرس الرواية الجديدة ويبقا لعبنا بالهم.
إلياس :
العبها انت ومتري يا اسطفان، واقسموا بينكم المكسب يا جدعان.
بطرس :
لأن احنا والبنات، حلفنا ما نلعبش إذا لم تتعين لنا ماهيات. دا جمس أهبل، لو كان زي درانيت بك رئيس لهجاوي، كان أفندينا رتب لنا ماهيات مثل لعيبين الأوبرا والتياترو الفرنساوي.
حنين :
بقا احنا نحرن ولما يسمع أفندينا إننا بطلنا اللعب لعدم الماهيات يبقى يكافينا.
إلياس :
رسيت على حقيقة الأمر يا اسطفان أفندي؟
عبد الخالق :
وانت يا متري فهمت مرامنا يا جندي؟
اسطفان :
إنتم جماعة ما في قلبكمش رحمة، ده جمس بعد البيصارة صبحكم تاكلوا لحمة، واللي ياكل عيش الكافر يضرب بسيفه، الأصيل طول عمره أصيل والخسيس يعمل كيفه.
عبد الخالق :
هو أنا اللي كنت آكل بيصارة يا سي اسطفان؟ إنتم يا خواني شاهدين.
اسطفان :
البصارة غالية. دي عيشتك كانت عيش وبصل يا مسكين.
حنين :
أمال أنا اللي كانت عيشتي بيصارة يا زربون؟
اسطفان :
ما تطولش لسانك انت عيشتك كانت فسيخ وزيتون.
متري :
فضونا من البصل والفسيخ والزيتون والبيصارة، الزعيق والخناق ده ماهوش شطارة.
إلياس :
الحق بيد متري، الشطارة نمتثل لأمر جمس حبيبه، ونلعب له بلاش ونشهره وعمرنا ما نسيبه.
متري :
باردون يا سيد الناس، إنت زي القطط تاكل وتنكر يا إلياس. جمس غائب إنما الحق يقال، الرجل بيراعي في مزاجنا وبيصلح لنا الأحوال. ادحنا صار لنا بنلعب تاني سنة، وأكلنا وشربنا وشفنا العز والهنا.
اسطفان :
وجمس ما نابه إلا التعب والمقت، والجري والسهر وتضييع الوقت.
بطرس :
ما قلت لكم يا جماعة إن متري وحبيب واسطفان، هم وجمس كأنهم إخوان.
عبد الخالق :
كل ده كلام بوش احنا بدنا في الجد؛ لأن في الدنيا دي ما حدش لحد. إن شا الله ما فلحت التياترات العربية، أنا ما ألعب إذا لم تتعين لي ماهية.
بطرس :
والله يا عبد الخالق كلامك زين، واحنا كمان نتبعك أنا وإلياس وحنين. يالله بنا يا حنين يالله بنا يا إلياس، نشوف لنا شغلة بلا لعب بلا كسر راس.
اسطفان :
يا متري دول الجماعة فاكرين، إن في مصر ما فيش غيرهم لعيبين. متري وأنا وحبيب وجدنا اليومين دول عشرين لعيب من أولاد البلد اللطاف، بقى من تهديدهم ده ما حدش فينا يخاف. والموسيو جمس بكلمتين لباشا من أصحابه يتحصل على جاريتين. جاريتين من البيض إياهم الجمالات، اللي يقروا ويكتبوا ويحفظوا أصعب الروايات. وانتم تطلعوا بوشكم، وهذا ما ينوبكم من غشكم. الوقت راح يا متري، ده جمس في انتظارنا، يالله بنا نسره بأخبارنا.
عبد الخالق :
بقى كنتم عاملين عصبة علينا يا خواجات، ووجدتم لجمس أولاد وبنات؟
إلياس :
إحنا نلعب الليلة ونغيظكم ولو بدون فلوس، وبكرة نوريكم شغل الرجال، وايش تعمل النفوس.
حنين :
هو احنا يا اسطفان نايمين، إحنا أكتر منك يا متري مكارين.
بطرس :
إحنا قبلما جينا هنا ودينا التياترو البنات، وقلنا لهم إذا عصيتم على اللعب تنعمل لكم ماهيات. وشفنا الموسيو جمس من بعيد، وسمعنا بنقول له: نهارك سعيد.
حنين :
أنا قلبي بيقول لي إن البنات ماتيلدة وليزة بكلمتين حلوين، يخلوا جمس يركب يروح عابدين، ويقول للخديوي: يا أفندينا عاصية علي الكومبانية، ولا راضية تلعب إذا لم تتعين لهم ماهية. فالخديوي يحب جمس وحالا نبلغ المراد، وتترتب لنا ماهيات يا أولاد.
متري :
آه ده أمر صعب، وجمس فيه ياما تعب.
بطرس :
خلونا نعمل شغلنا، ونقطونا بسكوتكم انتم الاتنين.
إلياس :
يسكتوا ليه؟ خليهم يساعدونا بكلمتين.
بطرس :
يالله بنا على التياترو؛ لأن الوقت راح.
عبد الخالق :
والنبي إذا صرنا على قلب واحد ما قدامنا إلا النجاح.
متري :
بقى رايحين تعملوا الريبتيسيون قدام جمس يا جماعة؟
إلياس :
نعم، وبعدها نقول له إن إذا قبل لعب الليلة بساعة ...
بطرس :
ما جاب لناش أمر بترتيب ماهيات ...
عبد الخالق :
ما حدش منا يلعب لا أولاد ولا بنات.
اسطفان :
كلام طيب، إنما احنا الليلة عندنا لعب كوميديات عديدة، لعبة الحشاش ولعبة البربري واللعبة الجديدة. وهي كوميدية البورصة المصرية، كوميدية صغيرة ومعانيها بهية.
عبد الخالق :
أنا حافظها على ظهر قلبي يا اسطفان.
إلياس :
وأنا تعلمتها على الغيب يا إخوان.
بطرس :
أنا ما ليش فيها إلا صفحتين يا جماعة، أتعلمهم لكم في ربع ساعة.
متري :
في اللعبة دي دخولكم قليل يا جدعان، والرك كله علي أنا واسطفان.
عبد الخالق :
عارفينكم يا خي ماهرين شطار، تحفظوا دروسكم زي النار. إنت يا متري يابو عين كحيلة، لك في لعبة البورصة مقالة جليلة.
بطرس :
ودي مقالة كلها قوافي.
إلياس :
متري يحفظها؛ لأن فكره رايق وذهنه صافي.
متري :
يعني بتتمقلسوا علي؟ طيب أنا أخزيكم؛ لأن ما حدش متلي يحفظ ألعابه فيكم.
اسطفان :
إحنا رايحين نرجع ثانيا للخناق.
عبد الخالق :
الله لا يقدر، إحنا اصطلحنا وحصل بيننا الاتفاق.
إلياس :
بالله عليك يا متري يا نجيب، تسمعنا المقالة أم كلام عجيب.
متري :
يا سي إلياس سمعا وطاعة، بس ما تقاطعونيش في الكلام يا جماعة. بقى أنا رايح أطلع في الكوميدية بصفة بانكيير، اللي في لعب البورصة عمره ما شافشي خير.
بطرس :
وتقول إيه يا متري؟ هات من تحايفك هات، يا قرة عين أولاد البلد يا مضحك الذوات.
متري :
أقول بعد ما اتنهدلي تنهيدة، تفلق الحجر وتتني الحديدة: لعنة الله يا بورصة على من أنشاك، يدخل الإنسان كافي شره ما يطلع منك إلا شاكي. عشرة آلاف جنيه مصري تمام، حوشتها بصداقة من ذواتنا الكرام، ومن شغل القطن والغلة، في أسيوط وفي المحلة.
وكنت - زي ما يقولوا - ألحس مسني، وأبات مهني. وكنت دايما أضحك ليل ونهار، وأحب التنكيت والهزار. وكل يوم أحد أطلع مع زوجتي وأولادي بعربية، نتنزه في سكة شبرا وبعدها ندخل الأزبكية. نسمع في قهوة عمر آغا نغمة الأوتار، ومن محمد سالم والشنطوري وداود ألطف الأدوار. وبعد العشا نروح للتياترو العربي العجيب، وننبسط في لعب متري واسطفان وحبيب، وعبد الخالق وبطرس وإلياس وحنين، ونصفق ونقول عفارم للبنين. ومن هناك نرجع بيتنا نشرب القهوة العظيمة، ونحبس بها نفس دخان شبقات اليسمينة. إنما اليوم الأحوال تغيرت، وأفكارنا الرايقة تحيرت. الله يلعن البورصة ويوم دخولي فيها، ارحم يا ربي عبادك واخفيها. الله يجازي السمسار اللي غواني، وأدخلني البورصة وبمكره عماني. وخلاني أشتري وأبيع أوراق وأترك أشغالي، المشترى يصبح رخيص والمبيع يصير غالي. هكذا الخسارة من الجهتين، عمري ما كسبت لي يوم في سنتين. أما صاحبي السمسار، بسلامته زي المنشار، ياكل نازل وطالع، وكدا صبح هو متحين وأنا والع. والله أستاهل، ما يصحش إلا أعمل بورصجي، على شان ما تبقى السماسرة تروح عندي وتجي. والواحد منهم يقول لي: نهارك سعيد، اليوم الأخبار عال بدنا نعمل شغل جديد. ونعوض الخسارة القديمة، اسكت يابو الدهب النهاردة التلغرافات عظيمة. البروسياني انكسر، والفرنساوي انتصر. هات لي إذن بمشترى قد ماية ألف رنديتا فرنساوي، ناكل بهم اللوز والسكر صدقني أنا ما نيش لهجاوي. أنا سمسار أحب ما علي أكسب الزباين، ما نيش زي السمسار إياه الخاين. وكان عندي خبر، سمعته من باشا معتبر. بس خليه في سرك، اسمع مني ده خبر يسرك. قال صاحبنا الفرنساوي دخل في عيون الوزير، وراح يتقدم للجندي الكبير. ويعمل له سلفة ويدفع بها الكوبون، فكدا الأسعار تطلع، إئذني أشتري لك من المصري قد مليون. آدي شغلتين، في ظرف جمعتين، تكسب فيهم بالقليل، عشرين ألف جنيه يابو خليل. آه وأنا كنت أصدق كل الأقوال، وعلى العمياني أعمل الأشغال. فكدا في أقل من سنتين، ضيعت ما ورائي وما قدامي وصبح علي دين. والأدهى إني خطبت بنتي الكبيرة، والمهر ألفين ليرة. وامبارح عم العريس الخواجة حبيب، قال لي يا بابا فرح أولادنا صار قريب. ودفع المهر، يستحق في آخر الشهر. بقى حضر لنا الخمسين ألف فرنك، نعدي ناخدهم بكرة من البنك. آه من الخمسين ألف فرنك، ما عندي ولا خمسين ألف بارة، الله يلعن البورصة ما نابني منها إلا الخسارة. يا ليت الخسارة بس إلا كمان نحول الجسم، والهتيكة والفضيحة وكسر الاسم. اشملني بكرمك وحلمك يا رحمن، الموت أفضل من دي العيشة اللي زي القطران.
إلياس :
حقا الليلة جميع سماسرة البورصة يكفروا، ويحدفوك بقوالح درة ويصفروا.
اسطفان :
حدف قوالح الدرة والتصفير، من جهة السماسرة يجعلوا متري لعيب شهير؛ لأن يتضح من ذلك أن المقالة غاظتهم، وفتحت قلوب العالم بكراهتهم.
حنين :
هس، آدي حسن يا ربي تكون أخباره ملاح.
اسطفان :
ايش يا حنين والله ما قدامنا إلا النجاح.
المنظر الرابع (حسن والمذكورين)
حسن :
بون جور يا خواجات.
اسطفان :
طيب بون جور هات لنا من تحايفك هات.
متري :
قال لك إيه جمس لما جاي وراك؟
حسن :
شفته في التياترو وحبيب والبنات هناك. وأمرني أقول لكم من كبير لصغير، تتفضلوا عنده بدون تأخير.
متري :
عبد الخالق حنين بطرس إلياس، يالله بنا على التياترو يا ناس. إنتم تعرفوا قبح اللعيبات، وتعرفوا جمس رجل حر ما يتحملش كلام فارغ من بنات.
اسطفان :
اتمهمزوا يا جماعة الوقت راح، نجري على التياترو برجلينا يا ملاح.
حنين :
الحق بيد أخينا اسطفان، على التياترو يا جدعان. (الجميع يخرجون.)
الفصل الثاني
في التياترو العربي
المنظر الأول (جمس بمفرده)
جمس :
يعني ما يصحش إلا وأعمل تياترو لأولاد العرب، ما نابني منه إلا عقلي خف وبيتي انخرب. وأنا كان مالي ومال دي الشبكة اللي زي الطين، اللي ما طرح لي فيها بركة رب العالمين. كنت رجل مرتاح متهني ، وكانت الهموم بعيدة عني. واليوم اللي دخلت التياترات، وانشغلت في تأليف الروايات، رفعت وانسليت وانتلف حالي، وتركتني التلامذة وتعطلت أشغالي. وبقى لي عوازل وعدوين، من الغيرة بالجرائد علي نازلين. لكن أنا أتحمل كيد وغيظ الأعادي، على شان خاطر عيون أولاد بلادي. مثلا صار لي ثلاثة سنين أدرس بالمهندسخانة، وجميع التلامذة مني مبسوطة فرحانة. فلما أنشأت التياترو العربي الناظر المكار، علي باشا مبارك مني غار. خصوصا لما أمره أفندينا يزود لي الماهية، حالا أمر برفتي من المدارس الملكية. ما علينا ربنا كريم وحليم، يكافي الصادق الأمين ويعاقب اللئيم. إحنا في الجماعة لسا ما جوش، ايش من عالم زفت دول ناس ما يختشوش. بعثت لهم حسن يقول لهم: ده جمس، بينتظركم في التياترو من طلوع الشمس. لا شك إن واحد ابن هرمة عصاهم علي، ربنا ينصرني عليه وأدوسه تحت رجلي. ده مين اللي جاي ده؟! حبيب، شاب مسعد لطيف نجيب.
المنظر الثاني (حبيب والمذكور)
حبيب :
بهديك مزيد السلام، ونقبل إيديك الكرام. أسعد الله صباحك، وزاد في تقدمك ونجاحك. خذ يابو جمس من قلبي وصر، أنعم الله عليك بالصحة وعلى أعدائك بالضر. قلبي يحدثني يا فريد العصر، إنك عن قريب تنشهر في أوربا مثلما انت في مصر. كلامي ده يابو جمس ما هوش تمليق، إنت تعرفني والله إني حبيب صديق. إذا سابوك الأولاد والبنات، محسوبك حبيب يفضل معاك للممات.
جمس :
تعيش يا حبيبي تعيش، ربنا منك ما يحرمنيش.
حبيب :
الله يحفظك يا نور العين، بس مرادي أقول لك كلمتين. لكن خايف تزعل علي، وتسحب عصاك وتنزل على رجلي.
جمس :
ما تخافش يابو الحب عليك الأمان، كلامك حلو على قلبي يا ألطف الشبان. صحيح إن كلام الحبيب يقرح، وكلام العدو يفرح، إنما أنا أقبل كلام الحبيب وإن كان مر؛ لأنه صادر عن قلب صافي حر. بقى سمعني كلامك بكل حرية، يا فخر التياترات العربية.
حبيب :
بالله عليك ما بقتشي تكتب لنا روايات، تذكر فيها لفظة حرية وحب وطن ومحاربات. وإلا قل على التياترو العربي يا رحمن يا رحيم، والحدق يفهم بقى رجعنا للعبنا القديم.
جمس :
كلام غريب، يا سي حبيب. لكن كلام مليح، وفي محله صحيح. إنما كل مؤسس تياترو ومنشئ روايات، ملزوم يتمم جميع الواجبات. واجبات معلومة عنده يا حبيب، وهي إن القصد بالمراسح هو التمدن والتقدم والتهذيب.
حبيب :
مسلم، وكوميدياتك فيها كل ده، بس ابعدنا عن قولة الحرية والوطن والاستقلال، فهمتني كده؟
جمس :
بكرة إن شاء الله نتحدث في دي العبارة، إنت فكرني وبرضك كلمني بكل جسارة. إحنا في اللعيبة هما فين؟ الوقت راح ما فضلش على الظهر إلا ساعتين.
المنظر الثالث (حسن والمذكورين)
حسن (يدخل ويقول لجمس) :
سي متري بيصبح عليك وبيترجاك، تروح بيته تجد اللعيبة مجموعة هناك.
حبيب (يقول لجمس) :
ما تروحشي اسمع كلامي أنا؛ لأن عيادة وتعليم ما تنفعشي إلا هنا. أهم البنات دخلوا الجنينة.
حسن :
أي نعم وأهم قابلين علينا. بقى أنا أروح أنده الجماعة، بيت متري بعيد تحسب لي ساعة (يخرج).
المنظر الرابع (جمس وحبيب ثم ماتيلدة وليزة)
حبيب :
يا موسيو جمس استقبل البنتين بحلمك الجميل، واستحملهم على شان خاطر نجاح وادي النيل. لأن لا شك إن إلياس وبطرس وباقي الجماعة عصوهم علينا، وأنا رأيتهم داخلين بغضب في الجنينة.
جمس :
إنت تعرف حلمي الاعتيادي، أنتصر به بإذن الله على الأعادي. هس أهم داخلين بدهم يعملوا لنا جرسة وهتيكة، أما نحن نغلبهم بالبوليتيكة.
ماتيلدة وليزة (يدخلوا ويقولوا لجمس بغضب) :
إحنا ما نلعبش إذا لم تعمل لنا ماهيات، زي ما التياترو الفرنساوي بيعمل للعيبات.
جمس :
على العين والراس ما لكم إلا رضا خاطركم يا ستات، من أول الشهر أعين لكم ماهيات، مش بس كدا إلا وكمان، أفصل لكل واحدة منكم من الحرير فستان. بس ما تجيبوش سيرة لإلياس وبطرس وعبد الخالق وحنين، وإلا يقولوا لي اعمل لنا ماهيات زي البنتين. وانتو تعرفوا إني أنا اليوم معذور، بقى ما تفضحوش الأمر وخلوه مستور.
حبيب (يقول في نفسه) :
الله على دي المكر والدخول العجيب، جمس واد فصيح لبيب.
ماتيلدة :
يا موسيو جمس كلامك عال، بس عرفني الماهية شهري كم ريال؟
جمس :
ما فيش فرق يا ماتيلدة بينكم وبيني، كل ما طلبتيه أعطيه لك على راسي وعيني.
ليزة :
ألف مرسي يا موسيو جمس انت أبونا، إنت تحبنا وتراعي مزاجنا وهم بس يعرفوا يعصونا.
حبيب :
وبعدها يخلو بكم زي العادة يا بنات، وما يطلبوا إلا لروحهم الماهيات.
ماتيلدة :
إنت والله مثلنا يا حبيب، في موسيو جمس مغرم حبيب.
حبيب :
ما تنسيش إن مغرمين فيه كمان، أصحابنا متري واسطفان. وإذا كان الجماعة يسوقوا علينا المرقعة، نلعب لعبة «البربري» أنا وانتو الأربعة. ونغيظهم ونقلع عينيهم، ونخلي الناس تضحك عليهم. إنت يا ماتيلدة فاكرة دورك في لعبة البربري الظريفة، ده لك فيه أقوال عجيبة لطيفة.
ماتيلدة :
أنا حافظاه على ظهر قلبي وفاكرة كلامه، وإن أراد موسيو جمس أعيده قدامه.
جمس (يقول لماتيلدة) :
هات من تحايفك هات، يا أنس كل مكان يا بلبل التياترات.
ماتيلدة :
في لعبة «أبي ريضة البربري» أنا باعمل ستي بنبة وأبو ريضة خدامي. فانت يا حبيب اعمل البربري ورد على كلامي.
حبيب :
أنا حافظ على ظهر قلبي دور البربري، وفاكر كلامك اللي أحلى من العنبري.
ماتيلدة (تقلد بنبة وتقول) :
لسا يابو ريضة ما نضفتش الأودة والوقت راح.
حبيب (يقلد أبو ريضة) :
إهنا ينفضوها ويكنسو من الصباح، والنبي كلام أبو ريضة صحيح. يا هابيبتنا يا أم الوجه المليح.
ماتيلدة :
أنا حبيبتك يا زربون؟ أنا ستك يا ملعون. أنا ست حرة يا بربري يا مفسود، مش من اللي عندهم على حد سوا البيض والسود.
جمس (إلى ماتيلدة) :
شاطرة يا بنتي حقا الليلة الذوات، يصفقوا لك ويحدفوا لك زهورات.
حبيب (يقلد البربري ويقول إلى ماتيلدة) :
إهنا في أرضك يا ستي سامهينا على غلطنا، إهنا هسبناكي كعب الخير هابيبتنا.
ماتيلدة (تقلد بنبة وتقول لحبيب كأنه البربري) :
أديك يابو ريضة رسيتني على أحوالك، بقى انت بتتمعشق مع الجارية عوضما تنتبه لأشغالك.
حبيب :
لا يا ستي إهنا ننبه شجلنا وهياة رمضان ويوم العيد، وما بيتمعشجوش مع كعب الخير إلا من بعيد لبعيد. واليوم وهياة ستي سينب ما سمعت منا كلام، ولا جلنا لها إن من الهب طول الليل ما ننام. الهب يا ستي بنبة يدخل الجلب زي الإبليس، هب كعب الخير رايخ يموت أبو ريضة فطيس. أنا أهب الهلال ما أهبش الهرام، أنا في أرضك جوزيني كعب الخير بعد شهر تمام.
ماتيلدة :
ما لك إلا رضا خاطرك يابو ريضة، اكتب كتابك على كعب الخير أم عين سودا وأسنان بيضا.
جمس :
عفارم يا ماتيلدة فكدا إذا عصيوا الجماعة اليوم، نلعب كوميدية البربري وما ينوبهم إلا الاحتقار واللوم.
ليزة :
ونلعب كمان كوميدية «الصداقة» أم خمسة أشخاص، اللي انبسطوا منها العام والخاص. أنا ألعب فيها ستي وردة، وعارفة الدور من راسي زي القردة. أقوله لك يا موسيو جمس انت تعرفه، لكونك كاتبه ومؤلفه.
جمس :
طيب سمعيني يا ليزة، جزاكي الله خير يا عزيزة.
ليزة :
ما أمر الفراق، على المحبين والعشاق. من ساعة ما سافر نعوم من هنا، عندي كل يوم بمقام سنة. آه فين أيامنا الحلوة فين؟ كنا في وقتها صغار الاتنين. أنا كان عمري يا دوب اتنا عشر، ونعوم كان ابن ستعاشر. الكلام دا صار له سبع سنين، ياما كنا أيامها مبسوطين. كنا ننزل نلعب لوحدنا في الجنينة، والورد والياسمين يظلل علينا.
ماتيلدة :
يا هل ترى كنتم تعملوا إيه تحت ظل الياسمين؟
جمس :
ما تقاطعيهاش خليها تعيد دورها قبلما يجوا اللعيبين.
ليزة :
ماتيلدة يابو جمس مني بتغير؛ لأني في اللعب باعجب العالم من كبير لصغير.
ماتيلدة :
بقاش في الدنيا بنت أكثر من دي قبيحة، على رأيها أنا الهبلة وهي الفصيحة. وراس بنبة ما بقيت ألعب ولو تقلتني يا موسيو جمس بالألماس، ما بيعجبش غير لعب ليزة الناس. خليها من اليوم ورايح تلعب وحدها، وتسلب عقول العالم بصفار خدها.
ليزة :
أنا فصاحتي بتجعل وجهي مليح، وانت هبالتك بتخلي وجهك قبيح.
حبيب :
دي ماهيش عيشة دا مرض وعذاب أليم، مسكين جمس حيران بيناتكم والله العظيم. على أقلها شيء حالا تفتحوا حلقكم وتفجروا تقبحوا .
جمس :
اسكت أنا برضي أتحملهم يا حبيب، ماتيلدة وليزة قلبهم طيب بس خلقهم قريب. يا ابني من صبر نال، ربنا يصبرني على دا الحال. يا بنات وحياتي عندكم، تتباوسوا وتسامحوا بعضكم.
ليزة (تبوس ماتيلدة وتقول لها) :
إذا ما كانش على شان خاطر جمس ما كنتش أصالحك.
ماتيلدة :
وأنا التانية على شان خاطر عيونه باسامحك.
حبيب :
بقى اتفقنا على كده يا ستات، ما تخبروش العاصيين بأمر الماهيات. وإذا ما اصطلحوش وحبوا يعملوا معنا خناقة، موسيو جمس يطردهم واحنا ومتري واسطفان نلعب الليلة كوميديتي البربري والصداقة.
المنظر الخامس (حسن ومتري واسطفان وإلياس وحنين وعبد الخالق وبطرس والمذكورين)
حسن :
يا موسيو جمس أهم جو الجماعة، ما بقاش على الظهر غير ربع ساعة. إنما إذا طاوعوك، برضه ربع الساعة مبروك.
حبيب :
ما تخافش يا حسن على الرئيس، إن كانوا هم عفاريت يغلبهم جمس الإبليس.
متري (يدخل ووراءه الجماعة فيقول لجمس) :
أول كل شيء أسعد الله الصباح، ولا يحرمك من الصحة والنصر والنجاح. ثانيا أخبرك يابو فضايل حميدة، إننا حافظين على الغيب لعبة البورصة الفريدة. نلعبها الليلة إن شاء الله وتنسر من لعبنا، وتعطي كل واحد منا جنيه بخشيش بإذن ربنا.
اسطفان :
أبو جمس والله العظيم، ما فيش في مصر رجل زيه كريم. ما يعزش علينا لا قروش ولا جنيهات، وأحب ما عليه يجيب لنا من الميري ماهيات.
عبد الخالق :
بلا مسح جوخ يا اسطفان بلا تمليق.
إلياس :
قال ماهيات! استنا يا تور لما ينبت العليق.
حنين :
بقالنا في دا الأمل تقريبا سنة.
بطرس :
واليوم ما بلغناش القصد والمنى.
جمس :
ربنا كريم حليم فرجه قريب، الصبر مليح اصبروا علي زي متري واسطفان وحبيب.
ماتيلدة :
بس حبيب ومتري واسطفان؟ وأنا وأختي ليزة صابرين عليك كمان.
عبد الخالق (يوشوش إلياس وبطرس وحنين ويقول لهم) :
دا جمس وحبيب بكلمتين، ميلوا راس البنتين. ويمكنهم الليلة مع أصحابهم يلعبوا بلانا، ويغيظونا ويطلعوا جيوبهم بالفلوس مليانة. أما احنا نكتم الدم على القيح إن كنا جدعان، ونلعب معهم وبكرة نوريهم شغل الفرسان .
إلياس :
يا عبد الخالق شورتك مليحة.
بطرس :
جميعنا نتبع دي النصيحة.
حنين (يقول لجمس بصوت عالي) :
كم عندنا من كوميدية نلعبها في د الليلة السعيدة؟
جمس :
كوميدية «الحشاش» و«البربري» ورواية «البورصة» الجديدة.
اسطفان :
لعبة البورصة ما أظرفها! ما نخافشي عليها؛ لأن متري أتقنها ويعرفها.
حبيب :
وكوميدية البربري المنيفة، عادتها دلوقتي قدامنا ستي ماتيلدة اللطيفة. أما لعبة الحشاش كلها على سي إلياس مبنية، لعبها مرارا وعجبت باشاوات وبيكوات وأفندية.
عبد الخالق :
ورينا محاسينك يا سي إلياس ورينا، وقل لنا منها كلمتين حلوين تسلينا.
إلياس :
أنا أشخص فيها ملك بني شداد، وأغني على الجوزة دور يجرح الفؤاد.
جمس :
هس يا جدعان لأن الوقت راح، خلوه يقول دوره وعلى المولى النجاح.
إلياس (يغني) :
جوزة من الهند ومركب عليها غاب
مدندشة بالودع ومجمعة لحباب
أخذت منها النفس والعقل مني غاب
يا ليلي يا عيني يا ليل
عبد الخالق :
آه يا ملك آه يا رد قهوة الشيرة، والنبي لتستاهل تعميرة.
إلياس (يقلد الحشاش ويقول) :
طلقت الاتنين ورقت لحالي، وفضلت جلجل يا غزالي. لا جديدة ولا قديمة، مالك حرية نفسي والحرية عظيمة. يا محلا عيشة العازب ما حد يقول له بتعمل إيه، كنت فين ورايح تخرج ليه؟ أما يا ملك إذا مت ستين سنة، يعني الدنيا دي فيها هنا؟ آه يا حظ إذا أنا مت ليلة العيد الكبير، ياما تبقى موتة تكن موتة أمير. وإذا كان في رمضان، يبقى أقوى يا جدعان. لكن يا حدق بس أدخل الجنة وأنا صايم، والناس تاكل الفواكه وأنا واقف ملجم نايم. أديني قاعد وشايف فواكه الجنة قدامي، وما نيش قادر أمد إيدي آخد لي تفاحة، آه يا غرامي.
جمس :
دا يكفي يظهر إنك تعرف دورك يا سي إلياس، ولا شك إن الليلة تنسر منك جميع الناس. بقى كونوا يا أولادي في ربنا متعشمين، هو يحميكم ويجبر بخاطركم آمين. الليلة أنتظركم هنا الساعة واحدة تمام، وإن شا الله تبلغوا القصد والمرام.
عبد الخالق :
بالله عليك يا موسيو جمس ماتعشمناش زي العادة، إحنا من يوم ما دخلنا التياترو العربي ماشفناش سعادة.
بطرس :
دا صحيح والكلام يطلع من العيون، واللي يلعب منا من غير ماهية يبقى مجنون.
إلياس :
أما أنا الليلة دي ما ألعبش لا حشاش ولا مشاش.
حنين :
هو حد في الدنيا يلعب بلاش؟
حبيب :
ليه يا حنين تنكر الخير ليلة ما لعبنا في قصر النيل، وتشرف جمس بلقب موليير. لما كوميدية القواص وشيخ البلد وراستور عجبوا خديوينا إسماعيل. الماية جنية اللي جوله من أفندينا إنعام، فرقها كلها علينا بقى حرام نتكلم في حقه ردي يا خسيس، والله إذا سابنا جمس ما نجد مثله رئيس.
حنين :
بقى أنا خسيس انتم شاهدين؟ والله ما حد خسيس غيرك ومنافق ولعين.
حبيب :
أنا لعين ومنافق يا حنين، وراس جمس إذا ما خرست أضربك كفين.
جمس :
بقى انتم جيتوا تعيدوا الكوميديات أو تعملوا لنا خناقة؟
ليزة :
يابويا جمس خليهم يروحوا واحنا نلعب لوحدنا البربري والصداقة. مع متري واسطفان وحبيب، وربنا كريم حليم أملنا فيه لا يخيب.
عبد الخالق :
بقى فهمتوا الاتفاق يا إلياس يا بطرس يا حنين، اللي حصل قبل مجينا بينهم وبين البنتين؟
ماتيلدة :
أيوا اتفقنا مع موسيو جمس ورايح يعين لنا ماهية، ويفصل لكل واحدة منا بدلة حرير بهية.
متري :
الكلام ده يا موسيو جمس حق؟
اسطفان :
بقى البنات تنصر واحنا من الغيظ نطق؟
إلياس :
يا متري يا اسطفان بلا لعب بلا وجع راس.
بطرس :
تعالوا معنا اسمعوا شورة إلياس.
حنين :
يا حضرة الرئيس خليناك بعافية مع جناب الستات، ربنا يهنيهم بالبدلات الحرير والماهيات.
عبد الخالق :
والله ما هم طايلين شيء يا حنين، ده الباشا إياه راح يعطي بكرة لجمس سريتين. يقروا ويكتبوا ويشخصوا روايات، وحالا جمس يطردكم يا بنات.
ماتيلدة :
إنت سامعة يا ليزة د الكلام؟
ليزة :
حقا يابونا جمس إذا تركناك اليوم ما عليناش ملام. يالله بنا يا إخواتي يا الله بنا، اتكالنا واعتمادنا على ربنا.
جمس :
يا حسن الحقني بخنجر أو بطبنجة الحقني، أو هات حبل واخنقني. أموت وأرتاح من دي العيشة الهباب؛ لأني ما بقيتشي أقدر أحمل قدر كدا عذاب. يا رب موتة موتة يا رب العالمين، أخلص بها من شبكة اللعيبين. بس من بيت أبويا أجيب لكم ماهيات يا إخواتي؟ يعني مدخول التياترو بيروح فين مش بفرقه عليكم ليلاتي؟ وده ما عدا اللي بصرفه من عبي، بقى انعم عليه بموتة يا ربي.
حبيب (يقول إلى اللعيبين) :
والله جمس بينكم حيران، وإذا طاوعكم آخرته المرستان. يومي على الله لكم طلبات، يوم بدكم في ملبوس جديد ويوم تعيين ماهيات، ودائما في خناق وزعيق، ده شيء يعل ويخلي الروح تضيق. والله لو كنت منه ماكنتش أصبر على دا الحال، إلا واسيبكم تخبطوا وأطلع من باب الجمال. وفي وقتها تشوفوا إن من غير أبو جمسة، وربنا العزيز ما تسووا ولا خمسة.
متري :
إن كان هو حيران إحنا كما تعبانين، ياما أشقى عيشة اللعيبين! دول يا إخواتي غلبانين جيوبهم دائما فارغين، ومع دا كله محسودين. إذا مشيوا في الطريق، مساكين أنفاسهم تضيق، من الهوان والتهزيق، والتنكيت عليهم والتقريق. وإذا واحد منهم أراد يظهر محبته والوداد، لمن يعزه ويريده الفؤاد، يقولوا له: إحنا في التياترو يا واد؟
عبد الخالق :
بلا كترة غلبة يا متري الوقت راح، يالله بنا مانتاش سامع جمس بيطلب سلاح؟
جمس :
طلبي في السلاح لقتل روحي من شدة عذابي؛ لأن كترت عدويني وقلت أحبابي. يا ناس أنا في عرضكم شوفوا لي موتة هينة بها أموت، وإلا اللي مرادكم تعملوه اليوم اعملوه بعد الليلة دي ما تفوت. ولا تشمتوش فينا العدوين، وأنا بكرة والله أروح عابدين. وأطلب من صاحبي خيري باشا فخر الذوات، يكلم أفندينا يأمر لكم بماهيات. والله دا أنا في عرضكم العبوا يا أسيادي، وفرحوا الأصحاب وغيظوا الأعادي.
ليزة :
مسكين يابويا جمس كلامك بيقطع قلبي، ما تخافشي أنا أقعد معك وأصبر على غلبي. ليزة عمرها ما تخون جمس أبوها، وإن خلانها وأقاربها تركوها. دي ليزة صادقة في محبتها، وإذا وعدت لا تخالف كلمتها.
ماتيلدة :
وأنا زيك يا ليزة ما اسيبوش .
حبيب (يقول للجماعة) :
البنات كلهم حن قلبهم وانتم ما ترحموش؟ إن كان مش على شان خاطر جمس اللي ما بيشفقش عليه قلبكم، العبوا الليلة على شان خاطر أبناء وطننا العزيز اللي بينبسطوا من لعبكم. (جميع اللعيبين واللعيبات ما عدا حبيب يقولون):
نلعب الليلة على شان خاطر عيون موسيو جمس أبونا، وأفندينا والذوات والأهالي اللي بيحبونا. لأن لو لم يكن أشمال أنظارهم علينا، وحضورهم كل ليلة إلينا، ما كانشي التياترو العربي صح وانشهر، وخديوينا بنجاحه افتخر.
جمس :
الله يحفظكم ويحرسكم لي يا أولادي، طالما انتم وياي ما أخافش من الأعادي. (حينئذ نزلت الستارة على رواية موليير مصر أبو نظارة.)
Página desconocida