مراتب القدر
إن مبنى الإيمان بالقدر يكون على أربع مراتب، وهذه المراتب إذا تصورها المسلم سهل عليه الكثير مما يرد من أمور القدر: المرتبة الأولى: العلم، بأن تؤمن وتوقن بأن الله ﷿ بكل شيء عليم، ما كان وما يكون وما سيكون لو كان كيف يكون، فكل ما يحدث في الخلق من صغير وكبير فالله به عليم، ولذلك فقد أشار الله ﷿ لمثل هذا على سبيل تعميق علم الله ﷿ في قلب المسلم فقد ذكر سبحانه بأنه عليم بذات الصدور، بل إن الله ﷿ أنكر على الذين شكوا في بعض علم الله، فقال سبحانه: ﴿أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾ [الملك:١٤] هل يعقل أن يخلق وهو لا يعلم؟ هل يعقل أن من يخلق وهو الله ﷿ يخفى عليه شيء مما خلق؟ بل لابد أن يسبق الخلق علم كامل، ويصاحب الخلق ويلحق بالخلق، فلا يعزب عنه ﷿ مثقال ذرة في السماء ولا في الأرض المرتبة الثانية: الكتابة، وهي أن يعتقد المسلم كما ثبت في النصوص أن الله كتب مقادير كل شيء على الإطلاق من صغير وكبير، ماضٍ ومستقبل.
المرتبة الثالثة: أن كل شيء بمشيئة الله وبتقديره فكل شيء يحدث في الكون فهو بمشيئة الله، وأن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، ولا يكون شيء إلا بتقديره ومشيئته.
المرتبة الرابعة: الإيمان والجزم بأن الله خالق كل شيء، فقد قدر وخلق الخير والشر، كما قال سبحانه: ﴿وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ﴾ [الأنبياء:٢٥] وهذا نقرره لنفي شبهة قد ترد في أذهان بعض الناس وقد يوسوس بها الشيطان عليهم، وهي: هل يمكن أن الله ﷿ يخلق الشر؟ هذا ناتج عن جهل، والله ﷿ قدّر الشر ابتلاء وفتنة، فهو في حقه حكمة؛ لأنه لا يتميز الخير من الشر، والهدى من الضلال، ولا يتميز الصالح من الطالح إلا بوجود الابتلاء بالشر والخير، وأن الله ﷿ قدّر الخير والشر وخلقهما، بإرادته سبحانه من باب الابتلاء والفتنة.
4 / 9