إن المؤمن ليؤجر في كل شيء حتى اللقمة يضعها في فم امرأته ". وأراد بالمؤمن من يعرف حقائق الأمور، فيقصد بما يتعاطاه وجه الله والاستعانة على سلوك طريقه. وعند هذا يتبين أنه ليس الزاهد من لا مال له، بل الزاهد من ليس مشغولًا بالمال، وإن كان له أموال العالمين. ولذلك قال الإمام علي ﵁: " إن رجلًا أخذ جميع ما في الأرض، وأراد به وجه الله فليس براغب ". فليكن جميع حركاتك وسكناتك لله، بأن تكون حركتك مقصورة على عبادة، أو على ما يعين على عبادة، ولا يستغني العباد عنه، كالأكل وقضاء الحاجة مثلًا، فإنهما معينان على العبادة، وهما أبعد الحركات عن العبادة. وعند هذا يكون الكامل النفس في تناول الدنيا كالراقي الحاذق في مسّ الحية متقيًا سمّها ومستخرجًا جوهرها، والعامي إذا تشبه به، ونظر إليه ظن أنه أخذها مستحسنًا شكلها وصورتها، مستلينًا مسها، مستصحبًا إياها، فإذا ظن ذلك أخذها، وتقلدها فقتلته. وقد شبهت الدنيا بها، فقيل: الدنيا كحية تنفث السموم النواقع، وإن لان ملمسها. وكما يستحيل أن يتشبه الأعمى بالبصير في تخطي قلل الجبال وأطراف البحار والطرق المشوكة، فمحال أن يتشبّه