وفي 1999 واصلت الاهتمام في بحث باسم «تقسيم إداري جديد لمصر»، نشر في أعمال «ندوة الأقسام الإدارية في مصر» التي نظمتها لجنة الجغرافيا في المجلس الأعلى للثقافة. وفي هذا البحث أسميت الأقاليم بنفس الأسماء التي ذكرتها في 1990 مع تغيير اسم السويس إلى إقليم سيناء-السويس، مع جداول توضح حجم المساحة وعدد السكان في الأقاليم المقترحة بالقياس إلى المحافظات الحالية. فأكبر الأقاليم ستكون مصر العليا نحو 300 ألف كيلومتر مربع مع عدد من السكان يبلغ نحو عشرة ملايين فرد، بينما في التقسيم الحالي تبلغ مساحة محافظة الوادي الجديد نحو 376 ألف كم مربع يقطنها قرابة مائة ألف فرد فقط. وبالمثل مساحة إقليم الغرب سيكون 225 ألف كم يسكنه نحو تسعة ملايين مقابل محافظة مطروح الحالية ومساحتها 212 ألف كم ويسكنها أقل من ربع مليون شخص.
وأيا كانت الأقسام الجديدة فإن أسباب التغيير الإداري ترجع إلى الرغبة في إيجاد مسطح من الأرض، وعدد من الناس يكفي للتشغيل الاقتصادي والمعاش الأكثر تلاؤما مع احتياجات العصر، ويعطي فرصا للعمل داخل الأقاليم ويسهم في تكوين رأي عام محلي وقيادات فكرية مجتمعية داخل إطار من الحكم المحلي المرتبط مباشرة بالأرض والناس، وهو ما يساهم في النهاية على تحجيم تيار الهجرة إلى القاهرة والمدن الكبرى ويوقف نمو العشوائيات التي هي مرقد التطرف في كل الاتجاهات: السياسية والخلقية والقانونية وأشكال الجريمة.
وفي الختام «إن أي تغيير في شكل الأقسام الإدارية ليس هو الحل السحري لتحسين الأحوال، ولكن تشكيل أقاليم كبيرة ذات كيانات مفوضة في اتخاذ القرار هو الحل التدريجي في تنمية الإدارة وتنمية الديموقراطية ببرلمانات إقليمية ممثلة بصورة أكثر فعالية للناس من أجل محاولة إيجاد الصيغ الملائمة للدخول إلى القرن القادم.»
وأخيرا في سنة 2001 يعود المؤلف مجددا إلى تأكيد أهمية موضوع إعادة صياغة التقسيم الإداري في كتابه المعنون «القاهرة: نسيج الناس في المكان والزمان ومشكلاتها في الحاضر والمستقبل» (نشر دار الشروق) فيؤكد من جديد أن القاهرة لا تعيش في فراغ بل بالارتباط الوثيق بمشكلات مصرية عديدة على رأسها إعادة تقسيم مصر الإداري وتدعيم الحكم المحلي وتخفيض مركزية القاهرة.
وهكذا نجد خطا بحثيا لا يمل ولا يكل حول مفهوم محدد للإصلاح - كواحد من مفاهيم إصلاحية أخرى - من خلال الدعوة إلى إعادة صياغة أقسام مصر الإدارية وتدعيم الحكم المحلي بشكل عملي، على طول ثلاثين عاما من الكتابة العلمية الجادة. (8) الجغرافيا وتخطيط الأقاليم الإدارية (8-1) علاقة الجغرافيا والتخطيط
اهتمامات الجغرافيا هي بدرجة أساسية دراسة العلاقات المجالية والمكانية على سطح الأرض في محاولة لفهم تكامل الأشياء: المكان والناس وأعمالهم في المجال الحيوي الذي يهيئه لهم منسوبهم التكنولوجي - كل ذلك في تشابك واصطراع مع المحيط البيئي، سواء كان ذلك سلبا أو إيجابا.
وبالمثل يهتم التخطيط بمثل هذا التكامل. ولكنه حتى وقت قريب كان يقع تحت سيطرة منطلقات محددة نابعة عن تفاقم مشكلة تظهر على سطح المجتمع بإلحاح، كالمشكلة الاقتصادية وإيجاد فرص عمل للعاطلين، أو المشكلة السكانية ومشكلات الإسكان والنمو العشوائي للمدن؛ لهذا كان يسيطر على أجهزة التخطيط إما اقتصاديون أو مهندسون أو هما معا باعتبار أن المشاكل الملحة هي في انتقال النمو والتنمية في جانبيها الفيزيقي والاقتصادي.
ودخول الجغرافيا إلى مجالات التخطيط في العالم هو أمر حديث، قد لا يعود إلى الأربعينيات في العالم المتقدم، وبشائره لم تظهر إلا بتواضع في الدول النامية - وذلك لغلبة مشكلات السطح في المجتمعات النامية، وبخاصة التلاحق بين النمو السكاني ومشكلة النمو المدني واستمرار القصور في مجالات الاقتصاد التقليدي نتيجة لقلة التمويل في حركة التحديث، ونتيجة للتبعية الواضحة لدوائر التجارة والتكنولوجيا الدولية.
وفعلا هناك هذا الكم من المشكلات في العالم النامي - وأكثر. وفعلا هناك انبهار بنتائج الدراسات الرقمية في التحليل الاقتصادي الكبير والمصغر
Macro-Micro . ويوجد مثل هذا الانبهار أيضا في جانب دراسات الجدوى (وما قبل الجدوى) حول الكتلة السكانية الحرجة المفروض نقلها (أو نزعها) من محيطها لتسكن بعملية أشبه بالجراحية في أماكن المشروعات الاقتصادية الجديدة، وبالتالي احتياجاتها السكنية (مع «وصفة» معروفة عن نسبة الطرق والأماكن المفتوحة للكتلة السكنية) والقاعدة الإنتاجية لهؤلاء الناس. وغالبا ما تكون هذه الدراسات - على جدواها - أقل من التوقعات في التدفق السكاني أو المنشآت الاقتصادية، مما يؤدي إلى عجز خطير من البداية بحكم أنه صعب تعديل التخطيط الفيزيقي دون أن يكون قد فطن من أول الأمر إلى مرونة التعديل بترك فراغات مكانية مناسبة لاحتمالات النمو. مثال ذلك حالة النمو في المنشآت الصناعية في مدينة 10 رمضان، وبطء النمو المقابل في القطاع السكني.
Página desconocida