وبالرغم من هذه الفوائد الحيوية ترى بعض الدوائر السياسية في السودان ضرورة تعديل الاتفاقية لصالح مزيد من المياه للسودان. ولا شك في موضوعية مثل هذا المطلب، وإن كان لنا بعض الملاحظات لكي تستقيم الأمور. وأول الملاحظات رقمية؛ فالمتتبع للفرق الكمي بين مخصصات مصر والسودان في اتفاقيتي 1929 و1959 يرى أن السودان قد حظي بزيادة أكبر من تلك التي حصلت عليها مصر. ففي اتفاقية 29 كان نصيب مصر يعادل 12 مرة نصيب السودان؛ 48 إلى 4 مليار متر مكعب،
11
بينما انخفض نصيب مصر في اتفاقية 1959 إلى نحو ثلاثة أمثال السودان فقط. وبعبارة أخرى كان نصيب مصر في اتفاقية 1929 يساوي نحو 92٪ من المياه عند أسوان، انخفض في اتفاقية 1959 إلى 75٪.
والملاحظة الأهم أنه صحيح أن التنمية ضرورة في أي بلد، ولكن هناك معايير عديدة لقياس مدى الحاجة في مصر والسودان. والفارق كبير بينهما في موارد المياه. فمصر تعتمد على مياه النيل بدرجة تتعدى نصيبها باستخدام وسائل عديدة،
12
بينما مواردها المائية الأخرى تكاد لا تذكر - بالكاد 2-3 مليارات من الأمطار الشمالية المتذبذبة والمياه الجوفية في الصحاري والواحات. أما في السودان فالموارد المائية السطحية والمطرية أكبر من مواردها من مياه النيل الرئيسي. والمشكلة في السودان أن هناك الكثير من الأرض للتنمية بعيدا عن مياه النيل الرئيسي، لكنها لا تنمى إلا ببطء شديد نتيجة لأسباب متعددة منها الفقر المالي وقلة الطرق ومشكلة الجنوب التي تستنزف جهد أي حكومة سودانية «ودارفور حاليا - وربما مشكلات كامنة مستثارة تدريجيا في شرق السودان ومناطق النوبة!» وإلى جانب ذلك، وهو الشيء المهم، أن السودان تحتاج إلى عمالة زراعية متخصصة؛ نتيجة لأن النشاط الاقتصادي التقليدي ما زال معتمدا على سيادة نمط حياة الرعي التقليدي قليل الإنتاج، كثير المفارقات بين القبائل والعشائر، في معظم جهاته من الشمال إلى الجنوب ومن الشرق للغرب ، فالمشكلة إذن لا تكمن في حصة السودان من المياه، بل هي مشكلة شاملة اجتماعية اقتصادية سياسية معا. ولا شك أن تركيز التنمية في منطقة الجزيرة ومحيطها القريب ليس بالمخطط السليم؛ لأنه يؤدي إلى مزيد من التزاحم السكاني في منطقة واحدة وإفقار مناطق شاسعة من السكان كان يمكن أن تصبح مراكز مفيدة في التنشيط الاقتصادي الاجتماعي في هذا البلد الكبير.
13 (1-8) الماء في السودان
يدخل السودان من الماء الجاري في المتوسط نحو 105 مليار متر مكعب سنويا، إضافة إلى قدر هائل من الأمطار يتفق الخبراء على أنه يبلغ 1094 مليار متر مكعب، لكن الكمية المستفادة منه قد لا تزيد عن 20 إلى 30 مليارا تنمو عليها الأعشاب اللازمة لحياة الرعي، والزراعة التقليدية التي يمارسها الرعاة وأشباه الرعاة،
14
أما بقية الأمطار فتذهب دون منفعة مباشرة: بعضها يتسرب في باطن الأرض فيغذي مصادر المياه الجوفية، والجزء الكبير يضيع بالتبخر أو نتح النبات في المستنقعات الهائلة في أقاليم السد وبحر الغزال ومستنقعات مشار شمال السوباط الأدنى. وبعبارة أخرى فإن حصيلة السودان من المياه السنوية تتراوح بين 130 و140 مليارا.
Página desconocida