الموضوع الثاني:
هو عبارة عن أفكار يتبناها بعض النوبيين من ذوي المبادآت الفكرية. ويتلخص في إقامة قرية نوبية سياحية عند أو قرب أبو سمبل على نحو شبيه بالقرية الفرعونية على بر الجيزة. الفكرة تسعى إلى إقامة حياة نوبية تقليدية في تلك القرية مع متسع من غرف الإقامة للسياح مبنية على الطراز النوبي التقليدي؛ لكي يتعايشوا مع شكل الحياة والحضارة النوبية التي شاهدوا بعضا منها في متحف النوبة. وبذلك تطول الليالي السياحية بدلا من الوضع الحالي الذي يقضي فيه السياح بضع ساعات في أبو سمبل ثم يعود أغلبهم في الطائرة إلى أسوان. وفي هذا إثراء للسياحة والموارد الاقتصادية لمحافظة أسوان، ويخلق في الوقت نفسه مجالا طيبا لعمل بعض النوبيين في هذا القطاع السياحي معا. ويحتاج مثل هذا المشروع إلى ترخيص بإقامته ودعم عدة جهات حكومية كوزارة السياحة ومحافظة أسوان والهيئات الثقافية التي تتبنى المحافظة على التراث الحضاري كاليونسكو.
والخلاصة:
النوبة التنمية تحتاج إلى دعم خاص من قبل وزارة التعمير والإسكان ووزارة الشئون الاجتماعية، وتأسيس مجالات عمل نسائية كمشروع مشترك بخطة متوازنة من أجل تطبيق برنامج الدولة في تنمية جنوب الوادي، قبل أن تلتقط جهات خارجية مثل هذه المشكلات والموضوعات بحسن نية أو بغيرها وتروجه على أنه من قبيل دفاع عن حضارة مجتمع على وشك الزوال، كما يحدث الآن بالنسبة لموضع مماثل يحدث لبعض النوبيين في السودان.
5 / 3 / 1996 (6) قناة السويس كنز أسراره كثيرة
قيل مؤخرا: إن الإنسان لا يستخدم سوى جزء من قدرة المخ، وإن الاتجاه الآن هو إلى الوصول إلى استخدام أكبر لطاقة المخ. والمتصور حينئذ أن الإنسان سيمتلك قدرات أكبر مما هو عليه الآن في التفكير والابتكار وتخزين المعلومات والتذكر ... إلخ. وقناة السويس الآن هي مثل مخ الإنسان لها قدرات وطاقات أكبر من استخدامنا الحالي لها كمجرى مائي يربط الشرق والغرب، وأضيف إليها وظيفة أخرى صغيرة متمثلة في فيلات وشاليهات الترويح في أبو سلطان وغيرها، لكن أكبر فائدة للقناة هي أن تكون مصدرا لناتج سلعي صناعي يخرج منها إلى المناطق المحيطة مستغلا رخص النقل البحري المباشر من مكان الإنتاج إلى أسواق الاستهلاك في شرق المتوسط (لبنان، سوريا، الأردن، فلسطين وإسرائيل، قبرص وليبيا)، والبحر الأحمر (السودان، إريتريا، إثيوبيا، السعودية، اليمن )، وشرق أفريقيا (الصومال، كينيا، تنزانيا، جزر القمر وموزمبيق).
ويمكن أن تساعد على حدوث ذلك بإقامة «عزب» صناعية - أي قرى صناعية صغيرة الحجم متخصصة في سلعة أو مجموعة سلع مصاحبة لبعضها، وهي بهذه الصورة يسهل إدارتها ومراقبتها وتصحيح مسارها. وسلسلة العزب هذه تمتد على طول الضفة الشرقية للقناة وتستخدم غالبها تكنولوجيا متوسطة إلى جانب تكنولوجيا عالية معاصرة في صناعات مثل الإلكترونيات. واستخدام التكنولوجيا المتوسطة يعطي فرصة لتشغيل عدد أكبر من العمالة المصرية الماهرة، كما أن أجور العمال هي بالضرورة أقل من التكلفة في رأسمال المنشأة رفيعة التكنولوجيا، وفي صيانتها في أجواء الصحراء المتربة دوما، وأخيرا فإن التسارع في التغيير التكنولوجي نتيجة سرعة الكشوف العلمية التطبيقية هي سمة العصر التي تؤدي بالضرورة إلى متابعة التغيير بشراء تجهيزات وأدوات أحدث وهو ما يشكل أعباء مالية أكبر من أن تتحملها السلعة المنتجة في سوق المنافسة الدولية. وليس معنى هذا شراء تكنولوجيا عتيقة، ولكنا ننحو منحى مشابه لهونج كونج التي تستخدم عمالة كبيرة وتكنولوجيا متوسطة في صناعات معنية وخاصة الملابس الجاهزة وأجهزة الراديو والتلفاز والتصوير والساعات، بينما تستخدم تايوان وكوريا التكنولوجيا الرفيعة جزئيا بتأثير رءوس الأموال اليابانية والأمريكية.
إن تفوق اليابان والنمور الصغيرة في شرق آسيا يعود في بعض أسبابه إلى الإفادة من النقل البحري الرخيص لوقوعها جميعا على شواطئ المحيط، لكن مواقع هذه البلاد غير مركزية بالنسبة للعالم بينما موقع قناة السويس هو موقع مركزي متميز بكل المقاييس. علينا أن نستغل هذه المركزية بإقامة نشاط إنتاجي يجد سوقا بين أوروبا وآسيا وأفريقيا وينقل الإنتاج الصناعي إلى هذه الأسواق بواسطة النقل البحري رخيص التكلفة. ولكي يتم ذلك فالمطلوب إنشاء «حارات» مائية تمتد من القناة أو بحيراتها شرقا لمسافة كيلومتر أو نحو ذلك، وعلى ضفة هذه الحارات المائية تقام القرى الصناعية بحيث تبنى كل قرية أرصفة الشحن الخاصة بها لتسهيل عمليتي التفريغ والشحن بعيدا عن مسار القناة الرئيسي حتى لا تعرقل حركة القوافل البحرية العابرة، ويعرف كل دارس لاقتصاديات النقل أن نقاط التفريغ وإعادة الشحن من وسيلة نقل لأخرى - نقل بري إلى حديدي أو بحري على سبيل المثال، هي أكثر النقاط تكلفة في خط سير نقل معظم السلع؛ لأنها تستدعي أجور عمالة وآلات رافعة وأرضيات تخزين في التفريغ ثم إعادة الشحن. فإذا كان منتج العزب الصناعية سوف ينقل مرة واحدة من المصنع إلى السفينة فإن ذلك سوف يخفض من تكلفة النقل ويعطي للسلعة ميزة في إجمالي تكلفتها - وهو ما يساعد السلعة في سوق المنافسة، هذا فضلا عن أن القرب الجغرافي لمنطقة قناة السويس من دول البحر المتوسط والأحمر والبحر العربي والخليج العربي هو عامل يساعد على خفض سعر النقل بالقياس إلى الموقع البعيد لشرق آسيا أو غرب أوروبا أو أمريكا الأطلنطية.
أي التكنولوجيات تختار: الشرقية (اليابان والنمور الأربعة والصين) أو الأورو-أمريكية؟ الأغلب أن تختار التكنولوجيا الشرقية؛ لأن الدول الغربية تضع شروطا مجحفة في أحيان كثيرة، والأغلب أن نقل التكنولوجيا الشرقية هو عادة أوفر وربما تكون أكثر استجابة إلى مقتضيات السلع في السوق الأساسي لها في الشرق الأوسط وشرق أفريقيا؛ أي أن يكون في مقدور سكان الريف والمدن في الشرق الأوسط شراء هذه السلع علما بأن معظم سكان هذه البلاد من ذوي الدخل المحدود. والقصد أن مثل منتجات الصين أو المنتجات اليابانية الموجهة للصين وجنوب شرق آسيا هي على الأغلب ما نحتاجه من صناعات تستخدم تكنولوجيا متوسطة في الإنتاج من السيارات إلى آلات الإنتاج والأدوات الزراعية والصناعات الغذائية. فعلى سبيل المثال أين معلبات التونة المصرية في مواجهة تونة تايلاند التي تغرق السوق المصرية؟ وأين السيارة المصرية أمام أنواع السيارات الكورية والتركية والرومانية؟
كيف ننفذ ذلك؟ ربما كان أحسن الوسائل وأقلها تكلفة بالنسبة لمصر هو تخصيص أرض لمشروعين أو ثلاثة مشاريع رائدة
Página desconocida