Egipto y el Levante en el pasado y el presente
مصر والشام في الغابر والحاضر
Géneros
فهلا أتوه رغبة في الغنائم
وفي عهد الحافظ الفاطمي لمع نجم نور الدين محمود، وأخذ ينقذ الشام من أيدي الفرنجة، ففي سنة 542ه افتتح نور الدين حصن أرتاح، شمالي حلب، وكان هذا الفتح أول الفتوح الزنكية في البلاد، ثم استمرت الفتوح وتحررت البلاد الشامية واحدة بعد واحدة، ولما عرف الصليبيون تضعضع الأمر في الديار المصرية جهزوا جيشا سنة 562ه يريدون به الاستيلاء على مصر، فأخذوا مدينة بلبيس وقتلوا وأسروا، ثم حاصروا القاهرة من ناحية باب الشعرية - كما يقول السيوطي - فأمر الوزير شاور الناس أن يحرقوا مصر، فأحرقوا بلدهم بأيديهم وانتقلوا من القاهرة فنهبت العاصمة، وذهبت للناس أموال لا تحصى وبقيت النار تعمل في مصر أربعة وخمسين يوما، فعند ذلك أرسل الخليفة العاضد آخر خلفاء الفاطميين في مصر يستغيث بنور الدين، وبعث إليه بشعور نسائه مع رسالة يقول فيها: «أدركني واستنقذ نسائي من الفرنج»، فجهز نور الدين الجيوش وعليها أسد الدين شيركوه بن شاور مع ابن أخيه صلاح الدين، فدخلوا القاهرة ورجع الفرنجة وعظم أمر الدولة الزنكية في مصر من يومئذ، ثم بدا لصلاح أن يقضي على الفاطميين، ففعل وخطب للعباسيين في مصر فالشام.
وهكذا انقرضت الدولة الفاطمية من مصر والشام وحلت محلها الدولة الأيوبية منذ سنة 567ه. وفي سنة 582ه قسم صلاح الدين المملكة بين أهل بيته، فأعطى مصر لولده العزيز عثمان، والشام لولده الأفضل، وحلب لولده الظاهر، وأعطى أخاه العادل أبا بكر إقطاعات كثيرة بمصر، وجعله أتابك ولده العزيز فيها، وأعطى لابن أخيه المظفر حماة والمعرة ومنبج وميافارقين، وتتابعت الملوك الأيوبيون على الشام ومصر، ولا أدري أكانت الشام في العهد الأيوبي تابعة لمصر أم مصر تابعة للشام، فإن صلاح الدين كان يقيم هنا وهنالك. ولما هلك صلاح الدين سيطر أخوه العادل صاحب مصر على المملكة وبسط نفوذه عليها، وجعل من مصر عاصمة الملك الأيوبي الواسع في حياته، ولما مات سنة 615ه كان قد قسم الملك بين أولاده كما فعل أخوه؛ فجعل بمصر الكامل محمدا، وبدمشق والقدس وما إليهما المعظم عيسى، وبالجزيرة وميافارقين الأشرف موسى، وبالرها الشهاب غازيا، وبقلعة جبر الحافظ أرسلان شاه، وقد ظلوا متآخين بعد موت أبيهم، ولم يطمع أحد منهم في ملك أخيه واتفقوا بشكل حسن، وكانوا كالنفس الواحدة. قال ابن الأثير: «فلا جرم زاد ملكهم ورأوا من نفاذ الأمر والحكم ما لم يره أبوهم، ولعمري إنهم نعم الملوك فيهم الحكم والجهاد والذب عن الإسلام.»
ومن أهم الحوادث في هذه الفترة هجوم الصليبيين المتمكنين في دمياط على المنصورة، وقد وقع قتال عظيم بين الصليبيين والأيوبيين سنة 618ه، فاستنجد الملك الكامل بأخوته، فبعث كل واحد منهم جيشا عظيما، وقد طالت المعارك، وترددت الرسل بين الفريقين، وانتهى الأمر بأن يسلم الأيوبيون للصليبيين مدينة القدس وعسقلان وطبرية واللاذقية وجبلة وجميع الساحل ما عدا الكرك والشوبك، على أن يلقوا السلاح ويسلموا دمياط للمسلمين، فلم يقبل الفرنجة وطلبوا فوق ذلك ثلاثمائة ألف دينار عوضا عن تخريب سور القدس كما طلبوا الكرك والشوبك، فلما رأى المصريون تعنت الصليبيين عبر جماعة منهم في بحر «المحلة» الأرض التي عليها الفرنجة من بلاد دمياط وفجروا فجوة عظيمة من بحر النيل وكان ذلك في قوة زيادته، فركب الماء على تلك الأرض وصار حائلا بين الفرنج وبين دمياط وانقطعت عنهم الميرة والمدد، فبعثوا يطلبون الأمان وقبلوا بالشروط التي شرطها المصريون، ثم نزلوا عن كل شيء وقبلوا تسليم دمياط، فخابت أمانيهم ومزقهم المصريون والشاميون شر ممزق، وأسروا مليكهم القديس لويس الفرنساوي مع ثلاثين ألفا من رجاله، وهكذا نجت الشام ومصر من الخطر المهلك واستراحت من الصليبيين دهرا طويلا، ولم يقو الصليبيون بعد هذه المرة على مهاجمة البلاد إلى أن ضعف الأيوبيون، اللهم إلا بعض مناوشات قليلة، فلما ضعف الأيوبيون وأخذوا يتقاتلون على السلطان بل ويستعين بعضهم بالصليبيين على بعضهم، تضعضع أمر البلاد وعاد الصليبيون من جديد إلى إثارة القلاقل. وفي عهد الملك الصالح صاحب مصر أخذ ظل الدولة الأيوبية يتقلص من الشام، ولما هلك الصالح سنة 647ه، وكان أول من استكثر من المماليك وجاء بعده ابنه تورانشاه فلم تطل مدته أكثر من شهرين إلا قليلا، سيطرت على البلاد قوة جديدة هي قوة المماليك البحرية، وكان أولهم أيبك التركماني وكان ذا بطش ودهاء، فساس البلاد سياسة قوية، وكان سخي اليد فالتف الأمراء والمماليك من حوله، وقد أكثر من إعطاء الأموال ليقبله الناس أميرا مع كونه مملوكا رقيقا.
قال ابن تغري بردي: «وكان ملكا شجاعا كريما عاقلا سيوسا كثير البذل للأموال، أطلق في مدة سلطنته من الأموال والخيول وغير ذلك ما لا يحصى كثرة حتى رضي الناس بسلطان مسه الرق. وأما أهل مصر فلم يرضوا به إلى أن مات وهم يسمعونه ما يكره حتى في وجهه.» ولما قتل وقعت الاضطرابات في البلاد الشامية والمصرية وخصوصا والشام لم يستقر بعد للمماليك، فإن بقايا الأيوبيين كانوا ما يزالون فيه، فشمال الشام إلى الفرات كان فيه الناصر صلاح الدين يوسف، وحماة كانت للملك المنصور محمد، والكرك والشوبك كانتا للمغيث، وبلاد صهيون كانت للمظفر عثمان منكورس، وتدمر والرحبة كانت تحت يد الأشرف موسى بن إبراهيم. وفي هذه الفترة المضطربة ظهر التتار سنة 656ه، فدمروا بغداد، واتجهوا نحو الديار الشامية سنة 657ه وفتكوا بأهالي حلب ثم بأهالي دمشق، وساروا جنوبا حتى غزة فهزمت الجيوش أمامهم ودخلت إلى مصر وتجمعت جموع قوية منهم قابلت التتار في عين جالوت، فهزموهم ومزقوهم وفاز الجيش المصري-الشامي فوزا مبينا، وكان ذلك النصر على يد الملك قطز، ولما ولي السلطنة بيبرس البندقداري بعد قطز كانت البلاد تواجه خطرين: أولهما التتار، فإن هولاكو غضب لهزيمة جيوشه في عين جالوت، وثانيهما الصليبيون، فاستطاع بيبرس القضاء على التتار وأحبط مساعي الصليبيين، وأخذ حصونهم وقلاعهم في الساحل الشامي مثل يافا وصور وعكا وطرابلس، ولم يمت الظاهر بيبرس سنة 676ه حتى قضى على الصليبيين قضاء مبرما وأنقذ دمشق من أيديهم ، وكان ملكا عادلا شهما سيوسا سيطر على البلاد الشامية والمصرية خير سيطرة وساسها أفضل سياسة. قال شمس الدين سامي: «عاد للبلاد بهاؤها بسلطنة بيبرس، وصارت السلطنة الإسلامية ذات بهاء وفخامة في عهده.» وفي سنة 683ه عاد المغول والصليبيون يريدون الشام من جديد، فدخلوها وأفسدوها ، فسارت إليهم جيوش مصر وهزمتهم جميعا ولحقتهم إلى طرابلس فدمرتها على رءوسهم.
ولما مات قلاوون سنة 689ه وتولى ابنه الأشرف خليل رأى الصليبيين قد استفحل أمرهم في الديار الشامية، فنهض من مصر وفتح عكا وكانت حصن الصليبيين المنيع منذ القديم ودكها دكا. ولما رأى الصليبيون ذلك رعبوا فأخلوا صيدا، فدخلها الملك الأشرف وهدمها، ثم استولى على بيروت وصور وعتليت وطرطوس وجبيل والبتروت والأسكندرونة، وطرد بقايا الصليبيين من الساحل الشامي، وكانت هذه الحملة هي الحملة الأخيرة التي طهرت البلاد من الصليبيين. وقد رأيت أن الحملة السابقة كانت طهرت الداخل وهذه طهرت الساحل، فاستراحت البلاد الشامية جميعا منهم، واستطاع الملك لاجين ملك مصر والشام أن يتخذ من الجيوش الشامية والمصرية أداة لفتوحات جديدة بعد أن كانت قبلئذ معدة للدفاع فقط.
ففي سنة 697ه جرد السلطان جيوشه لفتح بلاد الأرمن في سيس لأنهم كانوا لا يتركون البلاد تستريح، فأخضع ملكهم ثم رجعت الجيوش الظافرة والبلاد في أمن واطمئنان، ولكنها لم تلبث طويلا حتى فوجئت بزحف جديد للتتار سنة 699ه وعلى رأسهم غازان بن أرغون خان بن هولاكو، فدخل حلب وحماة وفتك بأهليهما، ولما بلغت هذه الأخبار مسامع السلطان الناصر بن قلاوون زحف من مصر فالتقى الجيشان قرب حمص وكسر الجيش المصري وانهزم السلطان، ولقيت دمشق وسائر البلاد الشامية أهوالا جساما، ولكن ما لبث السلاطين من أولاد قلاوون أن أعادوا إلى البلاد الهدوء والهناء، وما إن هلك آخر سلطان من البيت القلاووني وهو الأشرف شعبان سنة 778ه حتى اضطربت البلاد وأخذ نواب الشام يستقلون عن مصر، فأشرفت البلاد على عهد جديد هو عهد المماليك الأتراك، وقد رأى الأتابك برقوق ضعف حال السلطان وفساد البلاد ومخامرة النواب وفساد العدو والأعراب، وأحس بلزوم تجديد شباب الملك بإسناده إلى سيد كبير، فجمع القضاة والخليفة وطلب إليهم أن يسلطنوه ويخلعوا الملك الصالح، فوافقوا على ذلك وكان هذا في سنة 784ه، فهدأت البلاد أول الأمر ثم عادت إليها الاضطرابات كما كانت أيام المماليك البحريين. قال الأستاذ كرد علي: وكانت هذه الدولة عجبا في ضعف الإدارة وقيام الخوارج لأن الملك على الأكثر كان ضعيفا ينزله من عرشه كل من عصا عليه واستكثر من المماليك وقدر أن يتسلط على عقول السذج من العربان وأرباب الدعارة والطمع من الناس ... والقاهرة لا شأن لها بعد أن يتقاتل المتقاتلون على الملك، أو يقاتل القواد أرباب العصيان والتمرد ويظفر أحد المتنازعين على السلطنة أو الأمير الذي وسد إليه اجتثاث دابر العاصي إلا أن تزين أسواقها سبعة أيام أو ثلاثة أيام على الأقل، تفعل ذلك لأقل حادث يحدث ... وكانت دمشق في أيام الشراكسة ثم في أيام الأتراك أخلافهم تزين سبعة أيام لأقل ظفر يقع، فيفرح السلطان وتدق البشائر. وقد عمت الفوضى في عهد المماليك الأتراك وساد الاضطراب وانتشر الخوف في البلاد وخصوصا حين هاجمها تيمورلنك سنة 802ه، فهدم دمشق وحلب وفعل في أهليهما الأعاجيب حتى قال بهاء الدين البهائي يرثي البلاد الشامية، ويصف ما حل بها من جراء أفعالهم:
لهفي على تلك البروج وحسنها
حفت بهن طوارق الحدثان
لهفي على وادي دمشق ولطفه
Página desconocida